السبت الماضي، اشرت في هذا المكان الى قضية عشرات التجار، من اصحاب المحلات في وسط البلد، الذين تضرروا من نقل مجمع رغدان الى موقعه المؤقت في المحطة ريثما يتم الانتهاء من بناء المجمع وفق المشروع الذي كانت امانة عمان ترى فيه تطورا نوعيا، قبل أن تكتشفت ان مشروع المجمع لا يلبي الحاجة، ولهذا تفكر في اقامة مجمع جديد في مكان المجمع المؤقت؛ طبعا بتكلفة جديدة تصل الى عدد من الملايين، وبغياب اي ضمان بأن المشروع المقترح هو الخيار الاخير، وان الامانة الحالية والقادمة لن تتراجعا.
وخلال الاسبوع الماضي تلقيت من مواطنين العديد من الاتصالات، تتمحور حول قضيتين: الاولى تخص اصحاب المحلات الذين كانوا يعملون داخل مجمع رغدان، والذين تم ترحيلهم الى مواقع مؤقتة الى حين الانتهاء من اعادة بناء مجمع رغدان. واذكر انني استضفت في حوار تلفزيوني قبل سنوات نائب امين عمان السابق، المهندس عبدالرحيم البقاعي، لمناقشة هذا الامر، وكان الطلب ان يوافق التجار على الانتقال الى الموقع المؤقت على أن يعودوا الى مواقعهم داخل المجمع بعد الانتهاء منه.
وقد حصل كل من هؤلاء التجار على عقد لمحل تجاري داخل المجمع بدلا من محله القديم. وبعضهم -كما يقولون- وضع بضاعة في هذه المحلات لغايات التخزين، كما قام بعض منهم بعمل ديكورات. وقبل هذا او بعده، فإن وجودهم في هذه المحلات حق لهم بموجب عقود سليمة، ومنهم من تضرر من النقل إلى المواقع المؤقتة على امل العودة.
والآن، وقد انتهى العمل ببناء مجمع رغدان، وبعدما تراجعت الامانة عن قرارها باعتماد المجمع والتفكير في مجمع جديد، تجري ممارسة ضغوط على التجار من اجل تسليم العقود للأمانة، والتخلي عن حقوقهم، مقابل وعود بمحلات في المجمع المؤقت! لكن تجربة التجار مع الامانة، وترددها بين المشاريع، تجعلهم يخافون على مصدر رزقهم وحقوقهم التي اكتسبوها بالاتفاق مع الامانة.
هذه القضية، بكل ما تحمله من آثار على فئات من التجار، هي جزء من آثار تفكير الامانة بالتراجع عن اعتماد مجمع رغدان بعد ان تكلفت الملايين لإنشائه. وحتى لو كانت الرؤية الجديدة لوضع مجمع رغدان صحيحة، فإن هذا لا يعطي الحق للأمانة او غيرها في ان تحمّل الناس، من تجار وغيرهم، مسؤولية تغيير القرارات، او اكتشاف خطأ الدراسات. فالمواطن ليس مطالبا بتحويل كل قرار او دراسة للفحص حتى يضمن عدم التراجع عنهما، او أن "يفتح في المندل" ليتأكد ان تغير المسؤول او المصالح سيذهب بقرارات ويأتي بأخرى.
اما القضية الثانية فتتعلق ببعض الموظفين الذين يعملون في مكاتب او عيادات او محلات في وسط البلد، ويأتون من بعض مناطق عمان. فهؤلاء يحتاجون الآن إلى اكثر من وسيلة مواصلات للوصول الى عملهم، بينما كانوا قبل النقل الى المجمع المؤقت لا يحتاجون الا الى وسيلة مواصلات واحدة، من جبل النصر مثلا الى رغدان.
وقد تكون هذه القضية ليست ذات بال عند المسؤولين، لكنها معاناة من واجب الجهات المسؤولة تخفيفها. كما أن استعمال ثلاث وسائل مواصلات يعني نفقات اضافية على المواطن، وازدحاما.
نعود الى جوهر القضية الذي اشرت إليه في المقال السابق، وهو غياب الاستقرار في القرارات والدراسات، وبخاصة اذا ما كانت قرارات تكلف الخزينة ملايين الدنانير، وتحمّل المتضررين من الناس خسائر غير مسؤولين عنها. وسواء كان قرار الامانة الاول ببناء مجمع رغدان صحيحا أم لا، فإن النتيجة واحدة، وآثار وجود قرار خاطئ لا يتغير بتغير زمن القرار السليم او الخاطئ.
من واجب الحكومة والامانة ان تحافظا على حقوق الناس، وان تبقيا على زخم الحياة التجارية؛ فالأمانة ليست شركة يملكها اشخاص، بل جزء من ادوات الدولة في الحفاظ على حقوق الناس. والقرار الخاطئ ينعكس على علاقة الناس بالحكومة، المسؤولة اولا وأخيرا عن كل قرارات مؤسسات الدولة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة