ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية حكاية لا تملك الكثير من فرص الظهور، بل يمكن اعتبارها مستحيلة الحدوث! ليس بسبب ما يقال عن خلافات حول توزيع الوزارات الهامة، بل لأن الارضية السياسية لمثل هذه الحكومة غير متوفرة. ولذلك، لم يكن الأمر بحاجة الى اعلان الرئيس محمود عباس وصول المشاورات الى طريق مسدودة.
فالامر الذي حاسبت عليه دول العالم الحكومة القائمة هو موقفها من التفاوض والاعتراف باسرائيل؛ والحصار الذي فُرض كان لأن حكومة اسماعيل هنية لا تعترف بالشرعية الدولية، وليس لأن وزير المالية او الداخلية عضو في حماس او اي تنظيم آخر. والخلاف بين الحكومة ورئاسة السلطة، او بين حماس وفتح، هو خلاف سياسي، على خلفية رفض او قبول اوسلو، والقبول بالتفاوض مع إسرائيل او رفضه.
وفكرة حكومة الوحدة الوطنية تقوم على تشكيل حكومة تشارك فيها كل الفصائل الهامة، وفق برنامج سياسي موحد، فكيف نأتي ببرنامج سياسي يزيل التناقض بين رؤيتي حماس وفتح، والاهم ان يقنع الدول الكبرى واسرائيل انها حكومة تقبل بالتفاوض، وأنه يجب رفع الحصار عن الحكومة وعن الشعب الفلسطيني؟ فالحكومة التي اعلن محمود عباس وصولها الى طريق مسدودة اما ان تتبنى برنامج التفاوض، وهذا يجعل من حماس تدفع ثمنا مضاعفا لأنها ستتنازل عن ثوابتها وتخسر امتلاكها كل الحكومة، او ان تتبنى برنامج حماس، وبهذا لن تختلف حكومة الوحدة عن الحكومة القائمة الا بالاسماء.
لم يكن الامر يحتاج الى اعلان من محمود عباس بأن المفاوضات مع حماس وصلت الى طريق مسدود، لأن امكانية تشكيل حكومة وفق برنامج سياسي يتناسب مع ثوابت حماس، ويلبي برنامج اوسلو، وترضى عنه اسرائيل واوروبا واميركا، هذه الامكانية معدومة ولا تحتاج الى تفاوض، اما الحوارات والتشاور على الاسماء فهو امر شكلي، لأن مشكلة اسرائيل واميركا ليست مع اسماعيل هنية، بل مع البرنامج السياسي لحكومته، ولهذا فما تم من تفاوض كان "تغميسا خارج الصحن"، فالعبرة في البرنامج السياسي المتناقض بين حماس وفتح.
حماس وفتح تتفاوضان حتى لا يُتهم اي منهما بالسلبية. وما يمنع الرئيس عباس من ممارسة قناعته بإقالة الحكومة هو وجود المجلس التشريعي الذي لا يمكن لأي حكومة ان تقوم الا بموافقته. لكن القضية ليس امامها الا مساران: الاول اعطاء حماس كامل فرصتها كطرف حقق الانتصار في الانتخابات، وان تدير حكومتها وتمارس سلطتها التي اعطتها اياها صناديق الاقتراع؛ فيما يتمثل المسار الثاني في الانقلاب على الحكومة واقالتها، وربما الدعوة الى انتخابات مبكرة، وهذا قد يجلب للساحة الفلسطينية مشكلات وتوترات، ويدخلها في دوامة كبيرة.
رغم الهدوء الذي تظهر عليه الساحة الفلسطينية، والمجاملات الكبيرة، الا ان اعلان محمود عباس الوصول الى طريق مسدود مع استمرار الضغوط الدولية قد يعجل في ظهور ما لا يجب. اما حماس فتبدو مرتاحة، وهي تعلم ان حكومة وحدة وطنية امر غير ممكن، لكنها تراهن على الظرف الدولي والاقليمي. كما انها تقود الحكومة، وليست في عجلة من امرها لايجاد حل لمأزق حركة فتح.
المجتمع الدولي صنع معادلة ظالمة عندما ربط بين وجود الحكومة الفلسطينية ووجود الحصار السياسي والاقتصادي، وجعل صورة الحكومة مرادفة لصور غياب الرواتب والجوع. ومن هذه المعادلة يحاول خلق معادلة جديدة تقول انه لا يمكن الاعتراف بحكومة السلطة الفلسطينية او التعامل معها وتقديم المساعدة لها الا اذا كانت مؤمنة بالتفاوض مع اسرائيل؛ وهذه المعادلة لا تريدها اميركا واوروبا واسرائيل للتعامل مع هذه الحكومة، بل لتكوين قناعة لدى الشعب الفلسطيني بأن عليه ان لا يغامر باختيار من لا ترضى عنه هذه القوى الدولية، وحتى العربية والفلسطينية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة