التصريحات التي كان اطلقها، قبل فترة، الوزير المتطرف في الحكومة الصهيونية أفيغدور ليبرمان حول ضرورة تجاوز الطرف الفلسطيني والدخول مع الاردن في شراكة لحل الملف الفلسطيني، هذا التصور ليس خاصا به، بل تتبناه اطراف في الادارة الاميركية تعتقد ان على الاردن ممارسة دور عبر الدخول السياسي والعسكري الى الضفة الغربية، ليكون هو العنوان السياسي الذي يجري الحديث عنه، والاهم ان يكون العنوان الامني الذي يضبط امن الضفة، اي امن اسرائيل!

ويستند اصحاب هذا الرأي، من الاسرائيليين والاميركيين، الى ان السلطة الفلسطينية لا تملك مستقبلا واضحا؛ فهي ضعيفة مشتتة، والفصائل العسكرية تستقوي عليها. وربما رأوا في حالة الخلاف والفوضى الامنية مبررا لهم للقول انه لا يمكن الحصول على سلطة فلسطينية حقيقية تضمن الاتفاقات وتوقف اعمال المقاومة، وربما راهنت هذه الاطراف على حرب فلسطينية داخلية، ومواجهات مسلحة بين السلطة وحماس.

لكن هذه الاطراف الصهيونية الاميركية تتناسى ان سبب ضعف السلطة وتمزيقها هو الاتفاق الذي جاء بها، أي اوسلو، كما تنسى ان ما جرى منذ العام 1993، من هدر لفكرة الدولة الفلسطينية وعدوان مستمر على الفلسطينيين، يقف وراء هشاشة السلطة واجهزتها المدنية والامنية. لكن هؤلاء، كالعادة، يغمضون عيونهم عن ادوارهم في ايجاد الواقع الرديء، ويبنون على هذا الواقع تصورات لخدمة مصالحهم.

الحكومة الأردنية رفضت حينها، وعلى لسان الناطق الرسمي، تصريحات ليبرمان، واعتبرت ان الحل يكون بإقامة الدولة الفلسطينية الحقيقية. لكن ربما علينا ان نتفق في الاردن بشأن ان امامنا واجبا وطنيا وقوميا في تشكيل موقف موحد يرفض فكرة الدور الاردني، باستثناء الدور الذي يفرضه علينا واجب الاخوة والتضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ودعم مسيرته لإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة. اما الطروحات التي تحملها اوساط اميركية واسرائيلية، فان مقاومتها ورفضها معركة اردنية فلسطينية مشتركة؛ فالاردن ليس حصان طروادة لتحقيق تصورات اسرائيلية، او لحماية حدود كيان الاحتلال مع الضفة الغربية، كما أنه ليس بديلا سياسيا عن السلطة، ليس لانه يستطيع او لا يستطيع، بل لان هذا ضد المصلحة الاردنية العليا.

يوم ان كانت الضفة الغربية تحت الولاية الاردنية لم يفاوض الاردن نيابة عن الفلسطينيين، فكيف بعد فك الارتباط، واقامة سلطة فلسطينية؟! اضافة الى ذلك، فان الشعب الفلسطيني مسيّس، ويتمسك بهويته الوطنية وحقه في تمثيل نفسه. وهذا الموقف دعمه الاردن، ليس عبر قرار فك الارتباط فقط، بل بدعم فكرة الدولة المستقلة، واحترام السلطة القائمة الان.

الفلسطينيون يخوضون معركتهم، لكن واجبنا كأردنيين هو ان نؤدي دورنا القائم على تعزيز فكرة الهوية الوطنية الفلسطينية، ودعم فكرة فك الارتباط السياسي، مع التأكيد على كل انواع العلاقات الوحدوية على الصعيد الاجتماعي والعروبي. فتأييد فك الارتباط لم يعد ترفا سياسيا، بل ضرورة لخدمة فلسطين والاردن. ومرة اخرى، فإننا لا نتحدث عن الروابط الاخوية، بل عن خطوة سياسية تتوافق مع مسار الشعب الفلسطيني الذي انتخب مجلسه التشريعي، وله حكومته وسلطته، بغض النظر عن صلاحيات هذه السلطة.

لو كان الامر تصريحا عابرا للمتطرف ليبرمان لما احتاج الى اكثر من رد آني، لكننا نتحدث عن توجهات تتبناها اوساط اميركية واسرائيلية تبحث عن اختزال للملف الفلسطيني عبر تحميل العبء للاردن، بحيث تكون معركة الفلسطينيين مع الاردن، الذي عليه هنا استخدام كل امكاناته آنذاك في هذه المعركة، بينما يصبح الطرف الاسرائيلي بعيدا عن دفع ثمن احتلاله للارض، وثمن الحل غير الحقيقي لهذا الملف.

قد تكون طروحات ليبرمان تواجه عقبات كبرى، لكن مواجهتها ضرورة، لان انصارها جزء من دائرة صنع القرار الاميركي.


المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة