خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كانت حكاية الملكية الاردنية او "عالية" واحدة من القضايا التي يرى فيها الاردنيون مسارا لهدر المال العام. وفي انتخابات العام 1989، كان الحديث عن مؤسسة "عالية" جزءا من احاديث المرشحين. وحتى في خطابات الموازنة والثقة كانت هذه القضية محل تساؤل، وكان العديد من النواب، وحتى الرأي العام، يرى فيها ملفا للفساد.
وخلال التسعينات كانت مديونية الملكية الاردنية قد وصلت الى ما يقارب 700 مليون دينار، وكانت مديونية تثير التساؤلات. وربما مع الفارق الكبير في التفاصيل، الا ان امتلاك اي اردني لخط باص كان يعني امتلاكه لمصدر دخل كبير؛ فالباص يأتي بآخر، والثراء طريق يصله هؤلاء، فكيف بشركة طيران كانت تحصل على دعم حكومي وتسهيلات في الضرائب وغيرها، لكنها مع ذلك كانت تنتقل من خسارة إلى اخرى، حتى وصلت المديونية الى ما يقارب بليون دولار؟!
الملكية احتفلت قبل ايام بمرور 43 عاما على تأسيسها. وتتحدث ادارتها عن انجازات وتقدم على صعيد الاسطول والخدمات، وانها اول شركة طيران عربية تنضم إلى تحالف دولي. كما تتحدث الإدارة ايضا عن ارباح وصلت في العام 2005 الى 22 مليون دينار، وفي العام 2004 الى 17 مليون دينار. وتفتخر الادارة بهذا وهي تعمل في ظروف صعبة، من مشكلات اقليمية وحروب تؤثر على حركة النقل والسياحة، وارتفاع في فاتورة النفط وصلت الى 30-35% من الموازنة، والغاء للدعم الحكومي، ودفع للضرائب واجور العبور؛ وان الملكية استطاعت تخفيض مديونيتها خلال سنوات من 97 إلى 48 مليون دينار.
الملكية حتى الان لم تتم خصخصتها بشكل كامل. فهذه العملية تأخرت من العام 2001 وحتى بداية العام القادم؛ اي ان الادارة كما هي، والموظفون اردنيون، فلماذا كانت الخسائر والمديونية العالية وبيع الطائرات؟ ولماذا تتحدث الادارة الان عن ارباح وانجازات؟ واذا سلمنا بالانجازات، فان الواجب يقتضي المقارنة والتساؤل عن الفرق بين مرحلتين، مع ان الشركة الان تشكو من الظروف الاقليمية وغياب الدعم الحكومي.
من الديون التي ترتبت على الملكية سابقا حوالي 240 مليون دينار كانت لمصفاة البترول، ثمنا للوقود خلال سنوات. وهذه الديون دفعتها الحكومة بعد ذلك، اي ان الطائرات كانت تتزود بالوقود مجانا، ومع ذلك فالخسائر كانت حاضرة، والديون تتراكم! وهنالك ديون اخرى بمئات الملايين تحملت الحكومة من مال الخزينة سدادها! شركة تأخذ الدعم والتسهيلات، وتعمل في ظروف معقولة وبلا ثمن وقود لسنوات طويلة، لكنها مع ذلك تخسر وتصبح حكاية يرى فيها المواطن كمية كبيرة من علامة الاستفهام والتساؤل.
لسنا في طور فتح الملفات القديمة، لكن روح الفرح التي تتحدث بها الادارة الحالية تبعث التساؤلات وتثير الذاكرة. ولنتخيل، مثلا، ان الخسائر والديون لم تكن، وان الملكية سارت مسارا ايجابيا، افلا ينعكس هذا على قيمتها حين يتم تقويمها لغايات البيع والخصخصة؟!
الملكية، او مؤسسة "عالية"، حكاية تشبهها حكايات اخرى لشركات قامت على ادارة الثروات الطبيعية والخدمات؛ شركات كانت تبيع التراب او الملح وغيرهما من الثروات الطبيعية، لكنها في ظل غياب ادارة مناسبة ورقابة على الانفاق والتسويق والبيع والشراء تتحول الى شركات خاسرة تحملها الحكومات، وتتحول الى عبء على الخزينة والادارة! وبدلا من ان تكون مصدر دعم للاقتصاد، تتحول الى مشكلات واعباء تبحث لها الدولة عن حلول!
كما اشرت، ليس المجال هنا لفتح ملفات قديمة، لكنها ارقام تذكر بارقام، وواقع يذكر بتاريخ. ولو كانت ادارتنا لمواردنا خلال العقود الماضية كما يجب، هل كانت الامور بهذه الصعوبة؟ لكن كما يقول اهل الغناء والشعر، فان "لو" او "ليت" عمرها ما عمرت بيت، وتستعمل فقط للحسرة. لكننا نتمنى ان يكون ما مضى خاتمة الاحزان.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة