منذ شهور، وربما سنوات قليلة، ونحن نشكو من "شغب" الجامعات، والعنف الذي تشهده العديد من جامعاتنا الرسمية والخاصة. وقبل ذلك وبعده، شكونا ونشكو من شغب وعنف ملاعب الرياضة، وتحديدا كرة القدم. وبعض الجهات المتخصصة تتحدث عن العنف في الاسرة ضد المرأة او الاطفال، وكذلك العنف ضد العاملات في المنازل، والعنف ضد السجناء، وعنف الابناء ضد الآباء والامهات؛ فيما يسمى عقوق الوالدين.
العنف الذي نكتب ونتحدث عنه في جامعاتنا، مثلا، ليس انتاجا محليا خاصا بما هو داخل اسوار الجامعات؛ إذ إن طالب الجامعة لم يأت من الفضاء، بل هو محصلة علاقاته مع مجتمعه وأمه وأبيه واقاربه؛ فجميعنا نمارس العنف في كل ساعة وكل يوم. فأحدنا لو تجاوزته سيارة وهو يقود لعبر عن موقفه بشتيمة او ما هو أكثر! واذا جلسنا في مجلس وتحدث الصغير، جاءه الزجر "اسكت"، وقال له بعضنا "شو فهّمك"! والمرأة يزجرها زوجها، فيما هي تزجر ابنها او ابنتها! وتغيب عن لغتنا كلمات الود؛ فلا نسمع ولا نستعمل "لو سمحت" ولا نستأذن ولا نعتذر! نمارس السلطة مهما كانت صغيرة، ونتجبر على بعضنا بعضا.
المجتمع الذي لا يمارس الاستماع، لديه ضخ جائر من الحديث؛ إذ كلنا نفهم في كل شيء، لهذا نتحدث ونصدر التعليمات والفتاوى والتحليلات، اما جمهور المستمعين فقليل، ومن لا يتقن الاستماع يعطي مساحة اكبر لاستخدام اليد واللسان في صناعة العنف والشتائم.
"كلنا شيوخ" اصحاب الجاه والسطوة، نهدد ونتوعد، حتى عندما لا نملك القدرة على التنفيذ! وأحدنا قد يحضر مباراة على التلفزيون، لكنه يهدد الفريق الذي لا يشجعه بانه "سيطخه"، رغم ان المسافة بينه وبين اللاعب قارات وبحار. وعندما ندخل الى ملعب لمشاهدة مباراة، نتفنن في شتم كل لاعب يخطئ او يهدر ضربة جزاء! أما عندما نفوز، فنشتم الخصم! ولهذا، فمن هتافاتنا في الملاعب "عليهم عليهم بدنا نكسر رجليهم".
واذا طلب احدنا من ابنه ان يأتيه لا يطلب هذا بكلمات هادئة، بل بالامر والصراخ: "قوم جيب لي"؛ وكأن الاثنين في ثكنة عسكرية وليس في بيت! ونضرب اطفالنا قبل ان نعرف القضية، بل نصرخ فلا نسمع رأي المعتدي او المعتدى عليه. لهذا، فلا ننتظر من شبابنا اذا ذهبوا الى الحياة ان يكونوا عكس هذه التربية.
كثير منا يملك في سيارته "عصا" يضعها تحت الكرسي، ويشاهدها اطفالنا، وكأن احدنا مرشح دائما للهوشات. وفي الانتخابات نستعمل الرصاص، وعندما نريد الفرح نؤذي الاخرين. وحتى في جامعاتنا وانديتنا، تغدو الانتخابات التي هي سلوك ديمقراطي حضاري ممارسة للعنف وتوتر. وحتى عندما نضع غداء او نوزع الكنافة في مقرات المرشحين يكون ذلك جزءا من العنف ضد الناخب "لكسر عينه".
والمرأة التي تحكم زوجها وتسيطر عليه تمارس بحقه عنفا، مثلما يمارس الزوج المتسلط العنف بحق زوجته. تخرج من بيتها جميلة متخمة بالمكياج من دون امره واذنه، واذا سألها قالت له "شو دخلك"! تأمره وتنهاه، وتسلبه ماله فلا تبقي له مصروفا. والطفل الكبير نعلمه التسلط على اخوانه، وعندما يكبر يشاهد اباه يأخذ حق أخواته في الإرث، فلا ارض للأخت لانها تذهب إلى زوجها الغريب! نمارس عنفا بحق اخواتنا وامهاتنا، فنأخذ الحقوق، ونقدم بضع مئات من الدنانير للترضية.
الموظف يمارس العنف عندما يتجبر بالمراجع، فيأمره وينهاه ويضيع وقته. وقد تجد رجل سير يوقف سيارتك فيقرر مخالفتك ثم يبحث عن سبب للمخالفة! واذا ما حظيت منطقة بمساعدات، فالعنف والتسلط يجعل بعضهم يتمنى ان يأخذ كل شيء، حتى لو بقي جيرانه بلا طعام! انه عنف له طابع الطمع والانانية.
لا تلوموا طلبة اشعلوا "هوشات" بينهم بسبب فتاة او انتخابات او حتى قضايا سياسية، لان الطالب لو تعلم الاستماع والحوار، واعتبر ان يده للسلام وليست للضرب، وان لسانه لقراءة الاشياء الجميلة، وذكر الله وليس للشتائم، لو كان هذا موجودا لما كان ما نعاني منه في بيوتنا وملاعبنا وانتخاباتنا وجامعاتنا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة