يحب البعض ان يؤكد ان المرحلة الحالية حاسمة، وانها تحتاج الى قرارات جريئة وتاريخية، وتحركات مؤثرة. والحديث اساسا عن الملفين الفلسطيني والعراقي. وتبدو بعض الاوساط الرسمية مرتاحة لما تقوم به، وللتحركات التي تجري، بما فيها زيارة اولمرت الى عمان يوم الثلاثاء الماضي.
تاريخ التجربة العربية والاردنية مع الحكومات الاسرائيلية يجعلنا لا نرى مبررا للفرح او التفاؤل من اي لقاءات تتم مع قيادات هذه الحكومات. والحديث عن احياء عملية السلام يبدو غير واقعي، ليس بسبب المواقف الاسرائيلية، بل لان الساحة الفلسطينية منشغلة بالخلافات الداخلية والاقتتال. وحتى لو توقف هذا، فان حكومة حماس ترفض فكرة التفاوض. لهذا، فالمرحلة الحاسمة مرتبطة بتداعيات الداخل الفلسطيني، ويبدو الموقف الاردني الرسمي في الاتجاهات التالية:
أ- قلق حقيقي وكبير مما يجري، ومخاوف كبيرة من تطور الامور في غزة، وربما الضفة، الى ما هو اسوأ، لا قدر الله. وهذا القلق ينطلق من حرص عربي، ومصلحة اردنية قائمة على استقرار الوضع الفلسطيني.
ب- ان هذا القلق الاردني لم يغير من حقيقة الانحياز الاردني الرسمي للطرف الفلسطيني المؤيد للتسوية والتفاوض؛ الطرف الذي يقبل بعملية السلام وخريطة الطريق والمبادرة العربية. وهذا الطرف هو رئاسة السلطة، وما تمثله في الساحة، أي حركة فتح. وساهم في وضوح هذا الانحياز السياسي العلاقة المتردية مع حركة حماس، ليس مع مجيء حكومتها، بل منذ العام 1999. ولهذا، تبدو الخطوات الحكومية القائمة على دعم ابومازن جزءا من استحقاقات العلاقات السيئة مع حماس.
وقد يكون من اسباب هذا الانحياز القناعة بان تعزيز نجاح حكومة حماس يترك آثارا على الداخل الاردني، وبخاصة في العلاقة مع الاسلاميين.
لكن هذا الانحياز الذي لا تخفيه الحكومة جعل امكانية التدخل الاردني لإنهاء او تخفيف التوتر والاقتتال الفلسطيني-الفلسطيني، محدودة، ان لم تكن غير ممكنة. ولهذا، فقد لا يمكننا الا ممارسة القلق والخوف، وارسال الدعوات والمناشدات.
لكن هذا قد لا يفوّت مصلحة للاردن، بل حتى للاطراف الفلسطينية المتنازعة، التي تحتاج ايضا الى انهاء التوتر، سواء في مراحله الحالية او القادمة. وقد تكون الدعوة الملكية لعباس وهنية للحوار في عمان خطوة هامة لاعادة التوازن إلى الموقف الرسمي، واعطاء الاردن دورا ايجابيا، او على الاقل محاولة جادة لمساعدة الاشقاء.
ج- لكن السؤال الصعب والكبير: ماذا لو وصلت الامور بين الاشقاء في السلطة الى مرحلة خطيرة؟ وماذا لو تطورت ادوات الخلاف الى ما هو غير مطلوب او مألوف؟ فما هو خيار الاردن؟ هل هو انتظار ما يجري، والمراقبة مع بعض المواقف المناشدة، ام ان المساندة السياسية لرئاسة السلطة ستفرض معطيات جديدة، بحيث تتحول هذه المساندة الى اشكال جديدة؟!
سؤال قد يراه البعض افتراضيا. وقد يقول بعض المسؤولين ان الاردن لن يتدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي. وهذا الموقف العام ايجابي، لكن ماذا لو ان مساندة رئاسة السلطة اصبحت موقفا اقليميا، او ان البعض رأى فيها مصلحة اردنية مباشرة، تنسجم مع المساندة السياسية الموجودة والواضحة خلال المراحل السابقة؟
سأعود الى الوصف الذي يصف به البعض المرحلة بأنها حرجة، وانها تحتاج الى قرارات تاريخية، لأعيد صياغة السؤال السابق: ماذا لو كان لدى بعض الاوساط قناعة بان القرار التاريخي هو مساندة التيار الذي يؤمن بالتسوية، ويدعم عملية السلام والتفاوض؟
سؤال قد يتجنب البعض الاجابة عنه، لكنه ليس افتراضيا، وبخاصة اذا نظرت بعض اوساط السياسة الى ما يجري في فلسطين كما تنظر الى ما يجري في لبنان، أي باعتباره جزءا من صراع المحاور في الاقليم.
واذا كنا نتفق مع الرأي القائل بان اقامة الدولة الفلسطينية مصلحة اردنية عليا، فإننا كنا نتمنى ان نتفق جميعا على ان من مصالح الاردن العليا ان نبقى على مسافة معقولة من الشأن الفلسطيني السياسي، وأن نقترب اكبر مسافة ممكنة على صعيد المساندة والتضامن في مواجهة الاحتلال، فيما نبتعد إلى اكبر ما يمكن عن الشأن السياسي، الا بما يمكن تصنيفه من باب المساندة؛ ليس لان هناك حساسية تاريخية فحسب، بل لان جزءا من التفكير الصهيوني، وحتى الاميركي، يقوم على البحث عن حلول للمشكلة الصهيونية على حساب الاردن، سواء عبر ما يسمى الوطن البديل، او النظام البديل، او الدعوة إلى دور اردني امني وعسكري في الضفة، او حتى الكونفيدرالية او الفيدرالية؛ فكلها افكار لا تخدم فلسطين او الاردن، بل تسعى إلى تفريغ الحق الفلسطيني، الوطني والسياسي، في الدولة الاردنية، فضلا عن هدر حق اللاجئين والنازحين المشردين من بلادهم اصلا.
فلسطين هي فلسطين، والاردن هو الاردن؛ شعار يعني تعميق فك الارتباط السياسي، وتعميق الارتباط الاجتماعي والاقتصادي وكل اشكال التضامن. شعار يعني ان نترك للفلسطينيين حقهم في اختيار مسارهم وحكامهم، وأن نقيم علاقات اردنية مع كل تفاصيل الساحة الفلسطينية، الاجتماعية والسياسية. نحمي مصالحنا الاردنية بدعم استقرار السلطة، ولسنا مضطرين إلى التفكير في خيارات مواجهة تردي الاوضاع الفلسطينية الداخلية.
نتمنى ان تستطيع الحكمة لجم التردي في الساحة الفلسطينية، ليتحول السؤال الذي نتحدث به الى ترف سياسي!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة