أحد أبرز الملامح الملفتة في لقاءات جلالة الملك بمواطنيه هي تلك الروح الوديّة البسيطة والصادقة المتبادلة بين الطرفين بعيداً عن التعقيدات والرسميات والمراسم المعتادة في مختلف الدول العربية. فلا تكاد تجد أية محددات أو محاذير لدى المواطنين في حديثهم وخطابهم للملك، يتحدثون إليه بهمومهم ويبثون قضاياهم وشكواهم من مسؤول هنا أو هناك، والملك يُمسك بالورقة والقلم ويسجّل، ويلفت انتباه رئيس الديوان الملكي ورئيس الحكومة إلى ضرورة الاستجابة ووضع جدول زمني لتحقيق الوعود على الواقع.
ثمة تقاليد تبنى بصورة ملفتة في السياسة الأردنية؛ إذ أصبحت لقاءات الملك وجلساته وحواراته مع المواطنين ذات صبغة عملية وواقعية تتناول الهم اليومي لهم والقضايا المحلية. ولم تعد تسمع تلك الكلمات والقصائد الانشائية الرنانة في المديح والاطناب التي تستغرق وقتاً طويلاً. فالمواطن بحسه العالي بات يدرك أنّ الملك يفضل مناقشة الموضوعات بصورة عملية وبصراحة شديدة، وباختصار، دون تكلف أو خوف.
ويقدّم الديوان الملكي قبل أي لقاء للمشاركين والحضور خلفيةً وجدول أعمال يتناول المحاور المرتبطة بهذا اللقاء. هذا ما يحدث عادة، وما حدث في الزرقاء، إذ تتضمن هذه الأوراق تقريراً مفصّلاً حول القضايا التي طُرحت في لقاء الملك مع الأهالي قبل قرابة عام (7-5-2007)، ما تمّ تنفيذه منها وما هو جارٍ العمل به، وما لم يتم تحقيقه إلى الآن.
هذه اللقاءات هي لإشعار المسؤولين، أولاً، بالرقابة الملكية والاهتمام الشخصي من جلالته بتحسين أوضاع الناس الحياتية والارتقاء بأوضاع المدن والمحافظات المختلفة. وهي لإشعار المواطنين، كذلك، أنّ همومهم وقضاياهم هي محط اهتمام الملك شخصياً، إذ يتجاوز كافة الاعتبارات والشواغل السياسية والاقتصادية الرئيسة، خارجياً وداخلياً، ليؤكد على رسالته الواضحة: "المواطن أولاً".
وإذا ما قُدّر لمسؤول عربي أن يشهد جلسات الملك ربما يصاب بصدمة شديدة، وهو يستمع للمواطن يتحدث بأريحية نادرة، غير معهودة في كثير من دول العالم، مع ملكه منتقداً الغلاء ومواقف بعض المسؤولين، وبعض السياسات، ثم يقوم المسؤول يقدم رأيه وتفسيره لذلك، وفيما إذا لم يكن مقنعاً، فإنّ الملك يتدخل مباشرة مطالباً بتصحيح هذه السياسات أو القرارات.
ومن المفارقات الجميلة، التي حدثت خلال لقاء الملك بالزرقاء؛ أنّ رئيس الوزراء عندما كان يقدم تقييماً لوضع الخدمات وتطويرها خلال المرحلة السابقة، أكّد للمواطنين أنّ ما وعدهم به الملك سيتم خلال الشهور القليلة القادمة، مضيفاً "وإلاّ فإنّ الحكومة لن تبقى!". ففي هذه الجملة تكريس واضح لتقليد بدأ بالنضوج بأنّ هنالك محاسبة ومراقبة للمسؤولين وجداول زمنية وأرقاما، ستكون هي الحكم الحقيقي فيما إذا كان المسؤول يقوم بعمله أم لا، فلا مجال للمماطلة والتسويف وتجاهل المواطنين، ما دام هنالك جولات ولقاءات مع الملك تكشف ما تمّ وسيتم، ويتحدّث فيها المواطن مباشرة (مع الملك) دون تدخل أو رقابة.
بالعودة إلى الزرقاء، وما تحدّث به ممثلوها في لقاء الملك، فإنّ هنالك مشكلة حقيقية في المرافق الرئيسة، وبالتحديد المدارس والمراكز الصحية والمؤسسات الحكومية المرتبطة بالمعاملات الحكومية (كالمحاكم، ودائرة الجوازات،..)، ومشكلة أكبر في ندرة المرافق الثقافية والمتنفسات؛ من حدائق وملاعب وأندية ثقافية ومتنزهات بين الأحياء المكتظة. وهنالك أيضاً مشكلة فقر وبطالة واكتظاظ سكاني.
تم في اللقاء الحديث عن مختلف هذه القضايا، وما أُنجز وما هو في طور الانجاز. بل وأشار الملك إلى عدم رضاه عن مستوى ما تمّ تحقيقه من ذلك، فيما تعهّد رئيس الوزراء بالقيام بذلك قبل نهاية العام. في المقابل أكّد الملك أنه سيعود بعد شهور لتقييم ما حدث، لبحث مستجدات الأمور، ما يعني أنّنا لسنا مع كلام تأخذه الرياح، بل تواصل، وتقييم ومحاسبة.
ألسنا أمام نموذج استثنائي يعكس حقيقة العلاقة بين رأس الهرم والمواطنين في هذا البلد الصغير والجميل، على الرغم من كل المعاناة الاقتصادية والعواصف الإقليمية!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد