لم تمض بعد عدة أشهر على أيام أخذتني فيها رحلة البحث عن عدم المحكومية إلى أسوأ لحظات عمري، وأنا اضطر للمرور على المكاتب ابتداء من محكمة صلح مأدبا، ومن ثم إلى قلم مديرية الأمن العام في المحافظة حيث تبين لي أن هنالك مانعا من حصولي على عدم المحكومية، وذلك على خلفية قضية سياسية حوكمت عليها في العام 1997 بالسجن لمدة سنة ونصف السنة، وأخرى ما تزال قيد الاستئناف إلى اللحظة كان رفعها معالي وزير الصحة الأسبق في حكومة الدكتور معروف البخيت الأولى، ورغم أنني سبق وان حصلت على عدم المحكومية لأسباب تتعلق باستكمال أوراق ترشحي للانتخابات النيابية السابقة كون القضية السياسية منتهية، وقضيت مدة حكمي ، وكان صدر عفو ملكي عام في العام 1999 أنهى مجمل هذه القضايا، إلا أنني وجهت بطلب يفيد بضرورة تسوية هذه القضايا في مديرية إدارة المعلومات الجنائية من خلال إحضار الأحكام الصادرة فيها ليتسنى لي الحصول على شهادة عدم المحكومية مجددا، والتي اضطرتني لها بعض شؤوني، وقد ابتدأت رحلة البحث عن هذه الشهادة الذهبية من محكمة صلح مأدبا، ومن ثم إلى مديرية الأمن العام في مأدبا، أعقبها العودة مجددا إلى المحكمة، واستكمالا إلى مديرية المعلومات الجنائية في تلاع العلي، فمرورا بقصر العدل في العبدلي، ووصولا إلى محكمة امن الدولة في ماركا، ومن ثم إلى القضاء العسكري في طبربور، والعودة مرة أخرى إلى محكمة امن الدولة، وبعد الحصول على القرارات الصادرة حول هذه القضايا، ومنها تلك التي انتهت منذ سنوات طويلة عدت إدراجي إلى إدارة المعلومات الجنائية، حيث طلب إلي مرة أخرى بضرورة العودة إلى قصر العدل، وإحضار قرار حكم القضية المستأنفة قبل تحويلها إلى محكمة الاستئناف مما حدا بي للولوج إلى مكتب نائب المدير، والطلب منه معالجة الأمر ذلك انه لم يسبق أن طلب مني سوى إحضار مشروحات تفيد بوضع القضية في محكمة الاستئناف، وقد قضيت أياما معدودات، وأنا أتنقل من مكان لآخر للحصول على هذه الأوراق التي امتلأت بالتواقيع، والأختام، واضطرتني لدخول عشرات المكاتب، وبذلك حصلت على قرار يفيد بأن القضية المقامة ضدي على خلفية مقال كتبته في العام 2006 حول حادثة تلوث مياه منشية بني حسن ما تزال قيد الاستئناف، وذلك بعد أن كان صدر الحكم علي حينها بدفع تعويض مالي مقداره 8000 دينار أردني إضافة إلى رسوم المحكمة، وغرامة تصل إلى 2000 دينار.

أنهيت قرابة الساعتين وأنا أتنقل من مكتب إلى آخر حتى أخبرت أخيرا أن الملف تم إغلاقه، وبإمكاني الحصول على عدم المحكومية في مديرية شرطة مأدبا، ولدى عودتي إليها كانت المفاجأة بإعطائي كتاب موجه لرئيس محكمة بداية مأدبا يفيد بأن المذكور أعلاه ، وبعد الكشف لدى إدارة المعلومات الجنائية تبين انه من ذوي الأسبقيات مرفقا بطيه كشف أسبقياته.

تدخلت جهات عدة بهدف توضيح أن القضية التي حوكمت عليها في عام 1997 كانت سياسية، وأنها أقفلت منذ سنوات طويلة بإنهائي مدة المحكومية حتى تمكنت مؤقتا من الحصول على عدم المحكومية ذلك أن جهاز مديرية إدارة المعلومات الجنائية ما يزال يحمل بينات هذه القضية، وسينقل المعلومات الخاصة بي إلى أي طلب أتقدم فيه مستقبلا للحصول على عدم المحكومية مما قد يحرمني من الحصول عليها وبالتالي التحكم بممارسة حقوقي السياسية.

وأنا لن يقترب من روحي الألم جراء هذه الصيغة التي وصفت بها أخيرا بأن المذكور أعلاه من ذوي الأسبقيات ، فلقد اتخذت المواقف الوطنية التي تناسبني، ووقفت إلى جانب الحق والعدالة والحرية، وكنت ادفع الثمن الذي تتطلبه تلك المواقف.

غير أن الدولة الأردنية معنية بأن تحافظ على سمعتها الإدارية، وان تطور أجهزتها بما يناسب روح العصر، وبما يلغي التعقيدات التي تواجه المواطن الأردني، وتتسبب بتعاظم الاحتقان الشعبي دون مبررات وجيهة، حيث يحق للمواطن الأردني أن يعيش حياة أكثر هدوءا ، وأمانا أمام المؤسسات ، وان لا يصار إلى زرع الآلام في طريقه، وتعذيبه دون غاية تذكر، ويكون مردودها السياسي عالي الكلفة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رشاد أبو داوود   جريدة الدستور