تماما كما هي التجربة العراقية حيث جرى تصوير العدو الداخلي – الراحل صدام حسين وكأنه عدو الحريات والحقوق العامة لمواطنيه- باشد خطورة من العدو الخارجي المتمثل بالامريكان والغرب والذي كان يستهدف السيادة والثروات الوطنية، وكسر ارادة العرب لصالح اسرائيل، وابرمت المعادلة الجديدة عن طريق المعارضة العراقية خارج العراق وفقا لهذه النظرة والتي اقتضت اللجوء للعدو الحقيقي للامة طلبا للخلاص من النظام الوطني الدكتاتوري، وفعلا قدم هذا العدو بجيوشه وطائراته ، فاسقط النظام، ودمر مؤسسات الدولة، وفكك جيشها، ودمر قدراتها العسكرية، وقاعدتها العلمية التي بنتها عبر عقود، وحقق بالتالي مخططاته بالغاء مشروع الامة العربية، واستقلالها بالحاق القطب العربي الاهم والذي حقق توازن القوى في الاقليم بدائرة الاستعمار، وحكم المليشيات ، وقد كان الطرف الاشد في مناوئة السياسة الغربية في المنطقة ، ويشكل العدو الرئيسي للمشروع الصهيوني، وكان قادرا على تعبئة الرأي العام العربي بالعنفوان والشموخ، وحلم الامة المستقلة الماجدة، وعمد العدو الخارجي المخلص في هذه الحالة الى تقديم الرئيس العراقي الراحل الى حبل المشنقة في مشهد مهين اشعر كل عربي بالاذلال، واستطاعت القوى التي استقدمته ان تحل في الحكم مكانه ، بعد مدة من الحكم العسكري الامريكي الذي اودى بكل عوامل قوة العراق، وها هو الحال العراقي ماثل اليوم، وهو ما يفرح قلب الصهاينة ويحقق مصالحهم بعيدة المدى.

واليوم يتم تعميم التجربة العراقية التي ووجهت في حينه بالاستنكار في الشارع العربي، وتم اطلاق تهم العمالة والخيانة على المعارضة العراقية، وكانت النظرة لها تصل حد الاحتقار فتتحول المعارضة الخارجية للانظمة، وهي تستجلب التدخل الخارجي وتدخل في شراكة مع الاستعمار لاسقاط هذه الانظمة الى قادة ثورات ، ويحظون بالتأييد في الشارع العربي، وعملت الاحزاب الاسلامية على اضفاء الصفة الثورية والنضالية والجهادية على هذه القوى بديل العمالة والخيانة التي كانت تطلق في الحالة العراقية، وتمكنت من ان تصبح ممثلا لشعوبها واصبحت قرارات الجامعة العربية التي تبيح التدخل الاجنبي مطلبا في الشارع العربي، والتأخر في ذلك مدعاة لاتهامها بأنها شريكة في القتل، وهكذا تمكنت قوى المعارضة الخارجية من الحصول على الشرعية في مشروعها الموحد الذي يتطلع الى تدخل اجنبي يؤدي لازالة النظم المحلية، وتمكينها من الوصول للحكم بواسطة الاجنبي، واقتضى ذلك تغييرا كبيرا طرأ على صفة العدو الخارجي فلم يعد الغرب عدو الامة، والامريكان اصبحوا شركاء في التحرر والقوات الاجنبية والاحلاف لم تعد رجسا من عمل الشيطان، وتبدلت النظرة الشعبية العربية الى الغرب، وفقا لمصالح القوى التي استجلبت التدخل الاجنبي ، وتحولت من خلاله الى الحكم وراحت تعطيه الضمانات على علاقات مستديمة مع هذا الغرب بمراجعة لفكرها الاسلامي ، واستبعاد عوامل التوتر في العلاقات المستقبلية، والخضوع التام لمصالح هذه الدول التي جاءت للمنطقة العربية لتحقيق غاياتها، واهدافها وليس مؤكدا لتحرير العرب من انظمتهم.

والمعركة اليوم هي معركة ديمقراطية، وتداول للسلطة، وتحقيق دولة مدنية، وهي تخوضها الاحلاف العسكرية الغربية الى جانب المعارضات الاسلامية في بعض الجمهوريات العربية بشكل مباشر، وفي بعضها الاخر تظهر بصورة سياسية، ودبلوماسية ، وهي مدعومة باعلام تمكن من قيادة الرأي العام العربي في اتجاهات جديدة، وقد دمرت الى جانب الانظمة البنى العسكرية، والاقتصادية للدول المستهدفة حاليا وهي قربت بين الغرب والاسلاميين – المعتدلين- على حين غرة، وبذلك يدخل العرب طور الشراكة مع الغرب، وتفتح البلدان لهذا الغرب وتطلعاته في المنطقة العربية، ويتم القضاء على التطلعات العربية في الاستقلال ربما لعقود. فالانظمة التي نجمت عن مساعدة الغرب لها للوصول للسلطة ستدين لهذا الغرب بتمكينها من الحكم، وستكون ادوات طيعة لهذا الغرب ومحققة لمصالحه، ومنفذة لسياساته المطلوبة.

يذكر المتابعون جيدا كيف كانت المشاعر العربية جياشة على اثر تمكن حزب الله من هزيمة اسرائيل واخراجها من جنوب لبنان، وكيف تحول السيد حسن نصر الله الى رمز اسلامي في حينه، وكيف كانت النظرة في الشارع العربي والاسلامي لتحالف حزب الله وسوريا وايران باعتباره يمثل عنفوان الامة، وقدرتها على التصدي للعدوان الصهيوني، ولا يمكن ان تنسى مواقف الدول العربية التي لفها الخزي تلك التي لم تساند المقاومة اللبنانية او تآمرت عليها، واليوم يتبدد هذا الرأي العام العربي، وتصبح مخططات التدخل الاجنبي في سوريا، وتدمير القدرة النووية الايرانية ، امرا مستساغا في الوضع العربي، ويضمر صوت السيد حسن نصر الله الذي لم يعد يلقى قبولا خارج اطار طائفته.

تهليل غربي بهذا الربيع العربي، ومشاركة عسكرية فاعلة فيه لعشرات الدول الغربية، وقرارات من جامعة الدول العربية تبيح التدخل، وزيارات متبادلة من مسؤولي الدول المحررة الى الدول المحررة، وبالعكس، ورفع علامات النصر، واقتراب تدريجي من تدمير بقية الجمهوريات العربية، وقدراتها العسكرية، وبشائر دخولنا كامة مستلبة في بوتقة ودائرة الغرب، حتى لنغدو مجالا حيويا لمصالحه ، وتنظيمات اسلامية معتدلة متأهبة للحصول على جوائز الحكم تحت ظل الاحلاف العسكرية الغربية التي جلبوها للمنطقة ، فسلام الله على الامة العربية التي لكونها سريعة النسيان يتم سوقها الى حضن الاستعمار طواعية .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رشاد أبو داوود   جريدة الدستور