يحلو لقناة الجزيرة وهي تمارس الخلط بين أحقية التغيير الذي يقع بإرادة شعبية صرفة او ذلك الذي يحدث بسبب التدخل الاجنبي للأحلاف العسكرية الغربية ان تجري جراحة خطيرة في وعي المشاهد العربي، وهي تبث مشاهد مستقاة من اليوتيوب تبعث برسالة مؤداها المساواة في النفس العربية بين القتلى الذين يسقطون في سوريا، ومن كانوا يقتلون من الفلسطينيين على يد الجيش الاسرائيلي، ويصبح قتلى كلا الطرفين شهداء. وربما لو وقعت نفس المشاهد الجارية في سوريا اليوم في احدى الدول العربية الممنوعة من التغيير والصرف لتم اظهار ما يقع مهما بلغت فظاعته بكونه متعلقا بقمع تمرد على الشرعية. ولست ادري لو تعرضت تلك الدول التي تدعو سوريا للديمقراطية لانتفاضات شعبية مماثلة فكم كانت ستبلغ اعداد الضحايا جراء اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.
وفي الرسالة ايضا ان مشهد النضال التقليدي لم يعد فلسطينيا صرفا، وانتقلت الشهادة الى الميادين العربية التي يرغب بها الغرب، بفضل الجزيرة وتراجع عمليا منسوب المقاومة الفلسطينية، واللبنانية والعراقية، وتقدمت معركة الديمقراطية على الاحتلال الاجنبي، وتم تقليص المسافة ما بين الغرب، والعرب، وحتى الاحتلال فهنالك صيغ تفاهم مستقبلي معه من طرف المعارضات العربية، اما بعض الانظمة العربية فتشهد تباعدا مريعا بينها وبين الشعوب، ورفضا قاطعا للتصالح مع السلطة واعادة هيكلتها.
وبالتالي انتقلت معركة الانسان العربي الذي عرف طريق الشارع الى الميادين، واصبحت ادواته النضالية متجسدة بميدان وخيمة. وقد نجح الاعلام العربي في تغيير اولويات الانسان العربي، ونظرته للحياة العامة، وتمكن من ان يوجه بوصلة النضال الى الانظمة المحلية. وصارت مشاهد القتل، والمظاهرات والاعتصامات في غالبية الجمهوريات العربية بديلا لتلك التي اعتدنا عليها في صراعنا مع الصهاينة والامريكان. وهو ما يشي بتطور طرأ على مفهوم العدو التقليدي، وانتقل هذا العدو التاريخي المتمثل بامريكا والغرب الى جانب مساند للشعوب العربية في نيل استقلالها، وحسم معركة الديمقراطية لصالحها. وبدا تراجع في الساحة الفلسطينية، وتقدم في عدد من الساحات والميادين العربية التي اسفرت لصالح الشعوب عن فرار رئيس واسرته، واعتقال اخر واخضاعه للمحاكمة وانجاله، وحرق ثالث وتنازله عن السلطة، وقتل رابع، وعدد من ابنائه، واخفاء قبره، وفرار اسرته، وخامس يتربص به الداخل والخارج، وتزداد الفاتورة الدموية بينه وبين شعبه مع مطلع كل يوم وهو ما يمكن ان يطلق عليه مكافأة نهاية الخدمة السياسية في هذه الحقبة العربية. هذا فضلا عن ان الانظمة التي تمكنت من البقاء شرعت باجراء اصلاحات سياسية تحت ضغط الجماهير وتناول التغيير صلاحيات الحكام وكيفية اقتسام السلطة، وسمح للمعارضات ان تأخذ مكانها في عملية الحكم، وتعرضت الشخصية السياسية العربية الى الهز، وزالت القداسة والهيبة عن الحكام.
وكل هذه النتائج هي حصيلة سنة واحدة من خروج العرب الى الشارع في حين ظلت قضية التحرر الوطني في فلسطين عالقة لعقود، واخلاء الاحتلال الاجنبي من العراق يراوح مكانه منذ سنوات ذلك ان الارادة الدولية لم تتطابق مع ارادة الداخل ولم يحدث تقاطع في المصالح.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة رشاد أبو داوود جريدة الدستور