لم تظهر قوة في التاريخ قائمة على تهديد مصالح اللاعبين الدوليين الآخرين إلا وتشكلت الأحلاف ضدها، وأسقطتها في نهاية المطاف، وأنا هنا أتحدث عن الدول الكبرى التي تتصارع على سلطة حكم العالم، مما افرز مؤسسات دولية تمارس هذا الدور بصفة جماعية وحسب أوزان الدول الرئيسة في المنظومة الدولية. فكيف بتلك القوة التي تتولد في إطار المجتمع الواحد في خضم الصراع السياسي على السلطة، والتي تكون وسيلتها في ذلك الحصول على أصوات الناخبين، فلن تقوى على الاستمرار إلا إذا كانت تحمل صفة التعبير عن هوية الجماعة، وتخلصت من حزبيتها، وأشعرت فرقاء المشهد السياسي بحضورهم، وشكلت لوحة جماعية أعطت لكل طرف دوره، ولم تستخدم قوتها التصويتية في الظلم وإقصاء الأكفأ ، وتقديم ابن التنظيم بغض النظر عن كفاءته. فالقوة العاقلة والحكيمة والعادلة تولي أصحاب الكفاءة والاقتدار مكانتهم، وتقدر تضحيات الآخرين، وعطائهم، ولا تستأثر بالمكاسب وحدها، وبالتالي تتجنب أن تصنع الخصوم الذين سيطيحون بها في نهاية المطاف استغلالا لأخطائها التي لا بد أن تقع في حال ممارسة السلطة بتفرد.

والقيادة ليست جهة استبداد، ومنع المشاركة، والاستيلاء على السلطة، والاستحواذ على الحكم، أو تسعى لتسجيل الانتصارات، وتحويل الأطراف الأخرى إلى قائمة المهزومين، وإنما التي تستقطب حتى خصومها إلى حضنها، وتنهي العداء، ولا تصنعه، وتعلي من شأن الأخوة والتسامح، وتوظف كافة الطاقات والقدرات في بناء المستقبل، وتفتح قلبها للجميع، وتشكل حاضنة، ومظلة، ومرجعية، ، ولا تضع نفسها في موقع تنافس مع احد، أو خصومة، وتتحمل النقد ، ولا تستكبر، وتوسع قلبها، وتترفع عن الظلم والإقصاء، والافتراء، وتحكمها منظومة أخلاقية رفيعة تجعلها في موقع القدوة، ولا تتحزب، أو تنصر الباطل، وتقر بالحق، ولو على نفسها أو الأقربين.

والمقدمة لها مواصفات خاصة لعل من أعظمها ما تبدى بقوله تعالى “ وانك لعلى خلق عظيم”، وهي مرتبة قلبية ، ومقام إنساني رفيع يتأتى طوعا من النفوس الإنسانية التي جبلت على حب من يحسن إليها، وتتلقى منه الإرشاد، والهداية ، وليس لمن قهرها، أو استخدم آلة السلطة في افزاعها، وتخويفها، أو إجبارها على الطاعة.

وعلى من يتصدى لموقع القيادة أن يحسن انتهاز الفرصة، وان يتحلى بأخلاق الصف الأول، وإلا فسيكون عابرا، ومحطة مؤقتة، ولن يبقى له من اثر، وسيمضي مدة فرصته في التناحر مع الأطراف المتضررة، وسيجر عليه التاريخ أذيال النسيان، وسيكون دوره منطويا على إجهاض فكرة عظيمة، أو دعوة عظيمة لم يرتق إلى مستوى تقديمها بصورة فضلى .

وصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم في غير دولة عربية يضعها في موقع تحد تاريخي، لاستحضار التجربة الإسلامية المكرسة في المخيلة الشعبية حيث العدالة، والحق، والإنسانية، وتكوين المجال الثقافي الذي تتولد في ظلاله الدولة المثالية، والمجتمع الإنساني الرائد.

وانه لمن عظائم الذنوب والخطايا أن ننطق باسم الإسلام، وان ننتخب على أساس الإسلام وان نقدم الإسلام بصورة مغايرة لتعبيراته التاريخية الموجودة في النصوص المقدسة، وكتب التاريخ.

ويمكن أن يعرف نهج التنظيمات الإسلامية في العدالة في وضع منتسبيها أمام تساؤل إذا كان الاختيار بين ابن التنظيم، ومسلم من خارج التنظيم أكثر كفاءة منه، فأين تكون الأمانة في وضع صوتك؟؟.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رشاد أبو داوود   جريدة الدستور