ثمة "غموض" في الموقف الأردني من قمة الدوحة، إلى حين كتابة المقال، وعلى الأغلب أنّ "مطبخ القرار" كان ينتظر اللحظات الأخيرة للتأكد الكامل من حصول القمة على النصاب القانوني.
الموقف الأردني، مبدئياً، كان لا يفضل انعقاد القمة في ظل حالة الانقسام العربي الحالية، خوفاً أن تعمل على تجذير هذه الاستقطابات أو أن تتحول إلى مناسبة لهجاء من لم يشاركوا فيها.
والأهم من ذلك أنّ غياب دول فاعلة وكبرى في النظام الإقليمي العربي سيجعل من النتائج المترتبة على القمة هزيلة في "وزنها السياسي"، وستساهم في تكريس الصورة الأخيرة عن ضعف "القمم العربية" وتدهور دلالاتها الاستراتيجية.
هذا الموقف يمتلك وجاهة أوّلية. إلاّ إذا كنّا أمام قمة تحظى بالنصاب القانوني، وتحضرها أغلبية الدول العربية، فهذا بحد ذاته استحقاق رمزي وسياسي أمام الأردن يتجاوز سؤال الرغبة في الانعقاد مبدئياً.
فالموقف الأردني منذ بداية العدوان تموضع على "مسافة" من موقف دول الاعتدال العربي عموماً، من دون أن يغادر المربع الاستراتيجي المعروف للمصالح الوطنية. بل وتمكّن الأردن الرسمي من تقديم صورة إيجابية متقدمة بالسماح بالمسيرات والفعاليات المختلفة على الصعيد الداخلي، وبالمسارعة في إدانة العدوان والتحذير من عواقبه الوخيمة، وتقديم الإشارات السياسية العديدة، التي تتضمن غضباً على أعلى المستويات من السياسات الإسرائيلية، فضلاً عن المساعدات الإنسانية والمالية منذ الساعات الأولى للعدوان.
هذا الموقف يفرض على الأردن حضور القمة العربية المخصصة لأهل غزة، فحتى لو كانت ذات طابع رمزي، من دون نتائج واقعية، فإنّها تمثل الحد الأدنى المطلوب من موقف النظام الرسمي العربي الهزيل أصلاً.
ما يجب أن يقال، بوضوح، أنّ الموقف المصري ارتكب العديد من الأخطاء في الإدارة الإعلامية والسياسية للأحداث، وخلط بين مصالح مصر وحدود أمنها القومي المتعلقة بالمعابر من جهة وبين نزاعها مع المحور الإيراني- السوري من جهة أخرى، وحسابات المعادلة الداخلية من جهة ثالثة. وفوق ذلك أدت تصريحات المسؤولين المصريين، غير الموفقة، في كثير من الأحيان إلى استفزاز الرأي العام العربي.
الموقف المصري، عموماً، خسر الصورة الإعلامية والسياسية، وبدا ذلك بالمسيرات والمظاهرات الغاضبة التي اتجهت صوب السفارات المصرية، وبالتوتر الداخلي الشديد، وحملة الاعتقالات في مصر نفسها. في المقابل، فإنّ صانع القرار الأردني يمنح الرأي العام المحلي وصورة الدولة في الداخل والخارج حساسية شديدة واهتماماً جيّداً.
صحيح أنّ الأردن يشارك مصر هاجس "الأجندة الإسرائيلية" لإنهاء مشروع الدولة الفلسطينية وتحمّل التبعات السياسية والأمنية للضفة وغزة. إلاّ أنّ نجاح الأردن في التعاطي مع تداعيات الأزمة وأبعادها إلى الآن، على كافة المستويات، سيتراجع كثيراً، وسيخسر رصيده الذي بناه إلى الآن إذا اقترن بالموقف المصري المتشدد من القمة بصورة غير مفهومة.
ثمة صورة سوداوية سترسم عن الدول العربية التي تتخلّف عن هذه القمة، وسوف تعزز الدعاية السياسية ضد مواقفها لدى الرأي العام العربي والعالمي، ولدى الفلسطينيين الذين يذوقون الأمرّين من الاحتلال الإسرائيلي.
لقد تحمّل الأردن دائماً الكُلف السياسية والإعلامية على الدوام من الأزمات الإقليمية، وهو اليوم في غنى عن حمل ذلك، بخاصة أنّ المعادلة الداخلية الأردنية تختلف جذرياً عن المعادلة المصرية.
أحسب أن مشاركة الأردن في قمة الدوحة، بتمثيل سياسي معتبر (على الأقل مستوى رئيس وزراء) لا تتضمن أي خروج على مربعنا الاستراتيجي ومصالحنا العليا، بل هي تأكيد وحسم لموقفنا الواضح من تجاوز الخلافات مع حركة حماس وترحيلها إلى حين انتهاء العدوان الإسرائيلي على أهالي غزة المدنيين العُزل.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد