تذكّرنا زيارة مبعوث السلام الأميركي، جورج ميتشل، إلى المنطقة بزيارات كونداليزا رايس وقبلها كولن باول، وما صاحبها من سجالات وأحاديث وتسريبات أفضت إلى المثل العربي المعروف "تسمع جعجعة ولا ترى طحناً".
هذه المخاوف التي عبّر عنها الملك في لقائه مع خافير سولانا تلخص "أزمة التسوية" اليوم، عندما حذّر جلالته من "الدخول في عملية سلام جديدة" بدلاً من الإمساك بقضايا الحل النهائي.
قبل أيام قليلة أعلن خالد مشعل العمل على تأسيس مرجعية بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ما يجذّر حالة الانقسام الفلسطيني، بينما يعاني الرئيس عباس من معضلة حقيقية في شرعيته السياسية وضعف القدرة العربية على تسويقه كشريك فلسطيني حقيقي وفاعل في التسوية.
على الطرف الآخر، فإنّ نتنياهو قادم ليقود الحكومة الإسرائيلية، وقد أعلن بوضوح أنّ التسوية ليست على أجندته، إنّما أفضل ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون هو تحسين ظروفهم الاقتصادية. ومن يتصوّر أنّ الإدارة الأميركية ستضغط على إسرائيل للقبول بالحل السياسي فهو واهمٌ ويقرأ من كتاب آخر لا علاقة له بالواقع.
بالتأكيد، الموقف الرسمي الأردني صارم، وقد شدّد عليه الملك بصلابة وحسم لا يقبلان التأويل: مصلحتنا الاستراتيجية في قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة، ولن نقبل أي صورة من صيغة للوحدة مع الضفة الغربية قبل ذلك، فضلاً عن رفض الأردن القيام بمسؤولية الحل الأمني بدلاً من إسرائيل في الضفة.
نُمسك بهذا الخطاب؛ لكن على أن نقرأ متغيرات المعادلة الإقليمية والدولية وأن نرصد دوائر التفكير الأميركي والإسرائيلي والخيارات التي تسوّقها وتروّجها، إذ يمكن أن تصبح غداً حلولاً تتبناها الإدارة الأميركية والإسرائيليين وشطر من المجتمع الغربي والعربي. وربما يؤدي تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، مثلاً، إلى "ضغوط" سياسية وشعبية على الأردن لتمرير مشاريع سياسية بذرائع إنسانية.
في الأثناء، ليس مطمئناً تصاعد الأصوات الأميركية والإسرائيلية التي تتحدث عن "الخيار الأردني". فبالأمس انضم توماس فريدمان لجوقة المطالبين بحلول إقليمية عندما تحدث عن خيار الدول الخمس (ويقضي بدور أردني في الضفة الغربية خلال خمس سنوات)، وقبله جون بولتون (خيار الدول الثلاث)، وسبقهما غيورا إيلاند الذي دعا صراحةً لعودة الضفة إلى الأردن ونعى مشروع الدولة الفلسطينية.
أهلاً بكم، يا رفاق، في المربع الأول من جديد، فقد عدنا من حيث بدأنا؛ لنتساءل اليوم عن خياراتنا البديلة وعن خطة (ب) في حال فشلت جهود التسوية، وهو الاحتمال الأغلب؟.. هذا هو الوجه الآخر لسؤال المليون، الذي طرحه قبل أيام الزميل جميل النمري.
للتذكير، فقد كان هذا السؤال الحيوي ذاته بعد فشل اجتماع أنابولس، بخاصة أنّ هنالك إدارة أميركية جديدة ومعطيات سياسية مختلفة عن المرحلة التي سادت فيها أجواء المحاور الإقليمية وتراجع الحديث عن ضربة أميركية أو إسرائيلية لإيران.
ذلك المناخ أدّى إلى اشتقاق الأردن، قبل شهور، مقاربة جديدة تقوم على فكرة "تنويع سلة الخيارات" و"ملء الفراغ الدبلوماسي" مع الاحتفاط بـ"المربع الاستراتيجي" المعروف في المصالح الحيوية والأمنية الوطنية. وهو ما أدى إلى الانفتاح على حماس وتخفيف الاحتقان مع سورية وقطر خارجياً، والحوار مع الإسلاميين داخلياً.
صحيح أنّ العدوان على غزة أحيا قصة "المحاور الإقليمية" ودفع "مطبخ القرار" الأردني للرجوع "خطوات إلى وراء" نحو السياسة السابقة، لكنه –في الوقت نفسه- أعادنا إلى أسئلة "المربع الأول" التي أدت إلى تلك "الاستدارات التكتيكية".
أفصح فريق من السياسيين والإعلاميين مؤخراً عن اعتراضه على تلك "المراجعات"، والتخوف من تجاهل الدور الإقليمي الأردني، حتى من قبل الحلفاء، ومنح الشارع للإسلاميين..الخ. وإذا كان من حق الجميع الاختلاف، فعلينا أن نقدّم تصوراً متكاملاً للسيناريوهات والخيارات والبدائل بدلاً من الدوران في "الدوائر المفرغة"..
معضلتنا الحقيقية أنّنا (نشخصن) جميع السياسات وننزع عنها أبعادها الاستراتيجية، وكأنّها ولدت من "رحم الفراغ"!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد