بانتظار الإعلان الرسمي عن مضمون التعديل الوزاري الأول لحكومة نادر الذهبي، اليوم، إلاّ إذا حدثت مفاجأة ثقيلة، فإنّ الأسماء لا تحمل دلالات "استثنائية"، بقدر ما تعكس ظاهرة "الجفاف" في إنتاج النخب!
بلا شك، فإنّ هذا لا ينطبق على جميع الأفراد الداخلين والخارجين. فهنالك شخصيات لها مؤهلاتها ومكانتها ودورها، ويمكن أن تشكل حالة، لكنها ذات طابع "فردي" في سياق غلبة الاعتبارات الشخصية والفنية والجهوية على حساب الأجندة السياسية العامة التي يجدر أن تصوغ هوية الحكومة وتحدد وجهتها وأولوياتها.
ثمة ملاحظة ملفتة برزت في المناخ الذي صاحب التعديل الحالي (وبل بدت ملامحها خلال الأعوام الأخيرة) تتمثّل في "ندرة" الأسماء المطروحة للوزارات، بخاصة الحيوية منها. فبعد أن كانت الأسماء تُطرح، سابقاً، بالعشرات حول المؤهلين والقادرين على تولي مناصب قيادية أصبحت اليوم شحيحة للغاية، وكأنّنا ننظر من خرم الإبرة! فهل المشكلة في المواصفات والمقاييس أم في عطب آليات إنتاج النخب السياسية المرشحة أم في كلا السببين؟
يتوازى مع ذلك تراجع دائرة الاهتمام العام بالتعديل الوزاري، إذ تقتصر على الدوائر السياسية والإعلامية والاجتماعية الضيقة، فيما لا يعير الرأي العام الموضوع اهتماماً حقيقياً، ولا يرفع سقف توقعاته من التعديلات الحكومية، وتجده أكثر منطقية وواقعية من خطاب المتحمسين، فلا يعوّل على تدوير الأسماء وتغييرها، ما دامت المخرجات لن تختلف بصورة واضحة!
في المقابل، سوف يطرح البعض تساؤلاً مشروعاً وهو: أنّ هذه الآلية في إنتاج النخب باتت تقليداً منذ سنوات طويلة، فما الفرق بين حكومات اليوم والأمس؟!
الجواب يكمن في نواح متعددة، أهمها أنّ الحراك السياسي سابقاً، كان كفيلاً بحد ذاته في التأثير على العديد من الأفراد في العديد من المواقع الإدارية والسياسية، وداخل الأحزاب السياسية، في إنتاج نخب على قدر من الرؤية السياسية والثقافية، وذات نكهة متميزة، تمنح لوناً ومذاقاً خاصّاً للمواقع التي تشغلها، وتشكل معاً حكومات من "الوزن الثقيل"، تتضمن في طاقمها خبرات سياسية واقتصادية وإدارية.
أما اليوم، فإنّ الجمود في الحياة السياسية والركود في الحزبية ينعكسان بوضوح على عملية تشكيل الحكومات وتعديلها، ويخلقان شعوراً بتراجع "الوفرة" الأردنية التقليدية في أعداد النخب المرشحة والمؤهلة لمواقع قيادية وإدارية في الدولة.
دور مؤسسات الدولة، أيضاًَ، تراجع بالتوازي مع الجمود السياسي والحزبي، في عملية إنتاج النخب. ففي السابق كانت الوزارات والمؤسسات الرسمية، حتى المدارس والجامعات، تخرّج قيادات نخبوية، تمتلك خبرة إدارية وسياسية وتحتك بالبيئة المتحركة المحيطة. أمّا اليوم فتحرم حالة الارتباك والقفزات المتناقضة والمتضاربة في عمل العديد من المؤسسات ومساراتها، من عملية "النمو الطبيعي" للنخب المرشحة، بل وتصعِّد نخباً تفتقر إلى الخبرات والكفاءات الإدارية، وتمثل بحد ذاتها انهياراً في مواصفات النخبة الأردنية.
لا يمكن تجاهل آلية الاستبعاد والشللية من أسباب العطب الحالي. فكثير من الشخصيات المؤهلة يتم استبعادها بذرائع غريبة عجيبة تتصل بـ"الكيمياء" و"الحسابات الشخصية" الضيقة، أو ربما لأنّه من الصعوبة بمكان تحجيمها ضمن المقاسات الصغيرة المطروحة للعديد من المواقع التي يتم التحكم فيها عن بعد!
ظاهرة "العطب" في إنتاج النخب مقلقة في دولة تمتاز تاريخياً بإنتاج النخب السياسية والإدارية، وذلك محصلة طبيعة لجمود سياسي وثقافي يطغى على المشهد العام خلال الفترة الأخيرة، وارتباك في العمل بين المرجعيات والمؤسسات العامة والموازية لها، وثمرة لتآكل أدوار مؤسسات سياسية وإدارية مقابل تضخم أدوارٍ أخرى، ما يحرم الدولة من الحفاظ على آليات إفراز النخب أو تطويرها!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد