كان مفاجئاً إطلاق تصريحات رسمية، بعد التعديل الحكومي مباشرة، عن الإصلاح السياسي وعناوينه، بما في ذلك قانون الانتخاب، الذي يشكل حجر عثرة أمام نمو القوى الحزبية وعودة "الروح" للحياة السياسية.
لنتفاءل خيراً بما قاله الرئيس حول الإصلاح، وإن كان الأصل ربط تحريك الملف بالضرورات الداخلية الملحة، لا بتغير الإدارة الأميركية، وربما جاء حديث الرئيس في سياق مختلف، غير مقصود به الربط المباشر، عن تغير البيئة الدولية وأجندة الإدارة الأميركية وانعكاسات ذلك إقليمياً.
الإصلاح السياسي تدفع إليه، بإلحاح، التحولات الاقتصادية والسياسية البنيوية. فصيغة العلاقة بين الدولة والمواطن قد طرأ عليها تغير كبير، من تراجع دور الحكومة الرعائي المتضخم وتلاشي نمط العلاقة الزبونية السائدة، ومضاعفة حجم القطاع الخاص ودوره، وتراجع دور الطبقة الوسطى في القطاع العام، بصورة خاصة، وبروز أزمة المركز والأطراف.
تلك الاستحقاقات تتوازى مع أزمة المشهد السياسي اليوم وتبدّي فشل فكرة "الحكومة التكنوقراطية"، وإعادة هيكلة أدوار مؤسسات الظل، مع عدم قدرة برلمان "الصوت الواحد- التعيين" على مواجهة المرحلة وشروطها واستحقاقاتها. فضلاً عن تنامي "النزعات الاجتماعية" و"الهويات الفرعية" على حساب الهوية الوطنية الجامعة التي تحتوي ألوان الطيف الأردني.
أمّا خارجياً، فوجود حكومة يمينية إسرائيلية متطرفة، مع إدارة ديمقراطية تغيب عنها اعتبارات "الحرب على الإرهاب"، وتعتمد في تقرير المساعدات على عناوين أخرى. بالتزامن مع ذلك تتراجع فرص التسوية لتبرز قصة "الخيار الأردني" مرة أخرى.
لذلك (كله) نحتاج إلى جبهة داخلية قوية قادرة على التعامل مع التحديات والاستحقاقات الكبيرة ومصادر التهديد، ويمكن للحكومة الاستناد عليها في مواجهة "الضغوط الخارجية"، وهذا ما يدفع إلى المضي في مشروع "إصلاح سياسي" بنيوي.
على الجهة الأخرى، يمكن إدراك أسباب الحذر الشعبي والنخبوي وتبرير محدودية التفاؤل من التصريحات الرسمية ومدى الجدية في المضي قدماً في هذا الطريق. فجميع المحاولات والأحاديث واللجان التي تشكلت حول الإصلاح السياسي، خلال السنين السابقات، أصبحت اليوم شيئاً من التاريخ والذاكرة الوطنية، وكأننا بتنا نتقن هواية "الدوران حول الذات".
المفارقة أنّنا، وعلى رغم الحديث المكرور والمستهلك عن الإصلاح السياسي، لا نمتلك إلى اليوم تياراً وطنياً يحمل مشروع الإصلاح السياسي بصورة واضحة، خارج السياقات الحزبية والأيديولوجية، ويستند هذا المشروع إلى "توافق وطني" كبير، حول مضامينه وأبعاده وحدوده ومراحله المختلفة.
على النقيض من ذلك، فإنّ كل حزب أو تيار يتحدث عن الإصلاح بتعريفه هو، وهواجسه الخاصة، فهنالك نخبة تعني بالإصلاح حصرياً ما يسمى بالحقوق المنقوصة لـ"الأردنيين من أصول فلسطينية"، وهنالك من يريد إصلاحاً بلا إسلاميين، وإسلاميون يرهنون الإصلاح بالمتغيرات الإقليمية والعلاقة مع حماس واعتبارات أيديولوجية، وسياسيون يريدون الولوج إلى الإصلاح عبر بوابة "الأقاليم التنموية"، وآخرون يتحدثون عن "الحاكمية الرشيدة" لتأمين الهوية الوطنية.
لنساعد صانع القرار على شق طريق الإصلاح الحقيقي من خلال بادرة سياسية ومجتمعية تقودها شخصيات معتبرة موضع احترام وتقدير عام وتحظى بمصداقية سياسية لدى أغلب الأطراف، وتمتلك أيضاً حساً واقعياً، فتحمل على عاتقها الدعوة إلى الإصلاح الوطني، وتطويره ليكون مطلباً مجتمعياً وسياسياً وأمنياً، يراعي التوازنات الداخلية بين الحلم بدولة القانون والحريات العامة والمؤسسات المدنية وبين اعتبارات الهوية والأمن والمعادلات الداخلية والمتغيرات الخارجية.
أذكّر، هنا، بتصريحات سابقة لجلالة الملك مع مجلة اكسبرس الفرنسية (آب 2008)، عندما أشار إلى وجود "استشارات" كانت تحذر "من مخاطر الاصلاح السريع للبلد". فوجود التيار الإصلاحي وبناؤه جسوراً مع "توجه إصلاحي" داخل مؤسسات الدولة يساعد على خلق الشروط المناسبة لقرار سياسي صارم بالمضي قدماً في عملية الإصلاح السياسي البنيوي، من دون التخوف من القفز إلى المجهول.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد