في سياق الإعداد لقمة الدوحة تتسارع خطوات ترتيب البيت العربي والخروج من حالة الانقسام الإقليمي المدمرة التي أضرت بالموقف العربي عموماً وانعكست على الملفات الساخنة المضطربة سلباً.
تمخضت أولى مخرجات "اليقظة العربية" المتأخرة، عن إرهاصات لتوافق فلسطيني داخلي، قد يفتح الأفق لحكومة "وفاق وطني"، تعيد تعريف الموقف الفلسطيني، وهذا التطور لم يكن ليتم لولا جولات الحوار والتفاهمات فوق الطاولة وتحتها التي تمت بين سورية وكل من مصر والسعودية، وقد مهدت الطريق للحديث بصورة أكثر جدية وواقعية عن قمة عربية مصغرة قبل الدوحة، تضم هذه الدول، بالإضافة إلى احتمالية ضم كلّ من الأردن وقطر.
هذا جيّد مبدئياً، ويخدم الدبلوماسية الأردنية التي سعت دوماً إلى الخروج من "الخندقة الإقليمية" العربية، بل ودفعنا ثمن ذلك مرات عديدة.
لكن المفارقة، وبالرغم أنّ الأردن هو من تولى سابقاً تجسير الفجوة العربية وتبادل الرسائل مع الأطراف المتقابلة، فإنّ الحوارات الحالية تتجاوزه بصورة سافرة، وتبقيه خارج "المطبخ"، ما يشي باتجاه لتقليل دور الدبلوماسية الأردنية، مع أنّ الأردن هو أكثر الدولة العربية المعنية في الشأن الفلسطيني والوضع الإقليمي العربي، لما لذلك من تماس مباشر مع الأمن الوطني والمصالح العليا.
القفز عن الأردن لا يعكس "عقدة" الدور الإقليمي المتضخم، كما سيرد البعض، إنّما يثير قلقاً من تحجيم أو تهميش الدور التاريخي والطبيعي للأردن في المنطقة! بخاصة أنّ ذلك يتزامن مع تجاوز مماثل لمسؤولين أميركيين وغربيين كبار يزورون المنطقة، ويلتقون بالأطراف المعنية، فيما تغيب عمان عن اللقاءات.
في المقابل، فإنّ رصد ما يصدر من خطاب عن الإدارة الأميركية الجديدة، وعن مراكز التفكير والقرار المترتبطة بها، لا يطمئن كثيراً، ويدفع إلى شعور بتراجع التفكير في حدود الدور الإقليمي الأردني، بل عدم استبعاد أن يكون الأردن على الطاولة، وليس حولها، في تحديد صيغة الحل النهائي للقضية الفلسطينية!
ففي أفضل الحالات يتحدث المسؤولون والاستراتيجيون الأميركيون، اليوم، عن دور أردني في "تدريب شرطة الرئيس عباس"، بعد أن كان الأردن في وقت سابق يمسك بخيوط متينة في ملفات استراتيجية عديدة سواء في علاقته بالسلطة الفلسطينية، أو حتى سابقاً عندما كان يحتضن حماس خلال مرحلة التسعينيات.
ثمة متغيرات إقليمية من فوقنا ومن تحت أرجلنا تدفع بالمطبخ السياسي في عمان إلى مناقشة أعمق وأكثر جدية لموقع الأردن وتموضعه وإعادة هيكلة دوره في السياق الإقليمي، وفي ضوء الاحتمالات العديدة، وعدم الركون إلى ما تحقق خلال السنوات الأخيرة، فهو متغير كالمتغيرات الأخرى.
فنحن أمام إدارة جديدة تفكر بمقاربات مختلفة تجاه ملفات المنطقة. فاليوم مطروح أميركياً حوار مباشر، بلا شروط مسبقة، مع طهران، وتفضيل لخيار السلام بين سورية وإسرائيل على الواقع المعقد للتسوية الفلسطينية، والمعضلة الثابتة بعدم قدرة الإدارة الأميركية الضغط على إسرائيل في موضوع التنازلات.
فيما يتراجع تأثير الملف العراقي في الأمن القومي الأميركي، مع ارتفاع منسوب الاستقرار السياسي هناك، في مقابل أزمة مالية تحدد خيارات الإدارة الجديدة في دعم الأصدقاء مالياً والتعامل معهم.
الدور الإقليمي الأردني ليس فقط صمام أمان دائم للأمن الوطني والمصالح العليا، إنّما أيضاً مورد حيوي للاقتصاد الوطني من المساعدات الخارجية العربية والأميركية، التي تشكل جزءاً رئيساً في الموازنة العامة، وهي لا تعطى لوجه الله! وهذا الدور، كذلك، مفتاح من مفاتيح قوة الأردن وسرّ قوته الداخلية والخارجية.
الآن، ليس تنطعاً يعاد طرح تساؤلات جوهرية: أين يكمن الدور الأردني، وما هي "الأوراق" التي نملكها، بعد هذه التحولات السياسية الإقليمية الكبرى؟ كيف ينظر لنا حلفاؤنا وخصومنا في المنطقة؟ ما هي المسارات المتوقعة على صعيد التسوية، مع سورية والفلسطينيين، وما هي بدائلنا؟ هل يمكن أن تمرر "صفقة إقليمية" تجعل الأردن جزءاً من "الحل الفلسطيني"؟ هل نترك "الورقة الفلسطينية" كاملة بيد الأصدقاء ونأتمنهم على مصالحنا الاستراتيجية؟
أسئلة برسم الإجابة أمام "مطبخ القرار" في عمان..
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد