لم يُلقِ نتنياهو بالاً للرسائل والتحذيرات العربية، ولم يأخذ بخاطر الدول الأوروبية، أو يقلق بشأن تحالفه مع الأميركيين، فأعلن أمام الكنيست أنّ أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون هو منحهم "السلطات للتحكم بحياتهم عدا عما يعرض إسرائيل للخطر"، بما يشي أنّ السقف الأعلى هو الحكم الذاتي.
أمّا رفيقه ليبرمان، وزير الخارجية، فقد نفض يديه سلفاً من اجتماع أنابوليس ومخرجاته، فيما سيتولى "حمامة السلام" بيريس تسويق "حكومة اليمين ويمينه" في المحافل الدولية.
هذه هي حال الشريك الإسرائيلي للسلام اليوم، يتنكر بوضوح، وعلى الملأ، لقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة. أي أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تلتزم بشروط الرباعية، وهو المأخذ نفسه للمجتمع الدولي في عدم التعامل مع "حكومة حماس".
نحن، إذن، أمام واقع جديد يتجاوز تماماً قصة تسويق "المبادرة العربية" للسلام، أو تعليقها، أو هذه الممحاكات اللفظية، والتي سيطرت على "السجالات العقيمة" في قمة الدوحة الأخيرة.
ومع سعي حركة حماس إلى التهدئة مع إسرائيل، وهو واقع حزب الله نفسه، فإنّ الفجوة بين مواقف الدول العربية، تحديداً سورية وكل من مصر والسعودية أصبحت محدودة، مما يساعد على إعادة ترتيب "البيت العربي"، والتوافق فعلياً، لا شكلياً، على تصور معين لمواجهة المتغيرات الجديدة.
ربما من إيجابيات حكومة نتنياهو على الدول والمجتمعات العربية أنّها تقشع الضباب، وتُظهر الطرف الإسرائيلي على صورته الحقيقية أمام المجتمع الدولي، وتعيد ترتيب الأولويات والتحديات والتهديدات.
ما يعنينا، عربياً، أنّ الحكومة اليمينية الإسرائيلية تفرض "معادلة إقليمية" جديدة، تستدعي أيضاً، وبسباق مع الزمن، ترتيب "البيت الفلسطيني" في القاهرة، بمساعدة سورية وتقاربها مع الدول العربية، والبحث عن خيارات وبدائل تتجاوز الوقوف عند حدود مبادرة السلام العربية والتباكي عليها.
في التداعيات الأردنية، فمن الواضح أنّ توجه "الحكومة الجديدة" يتمثل بترحيل "المسألة الفلسطينية"، تحديداً في الضفة الغربية، إلى الأردن، من خلال دور أمني وربما سياسي، يتعامل مع "قطع سكانية"، من دون سيادة حقيقية على الأرض.
تحقيق هذا الهدف يتطلب موافقة أردنية، وهو ما لن يحصل، فثمة توافق وطني عام على رفض هذا السيناريو. إلاّ أنّ الخطورة الحقيقية تكمن في الوضع الفلسطيني الداخلي، وفي احتمالات انهيار السلطة أو تداعي شرعيتها واستقرارها، في الضفة الغربية، بفعل التدخل الإسرائيلي أو الصراع الداخلي، مع استمرار مسلسل الاستيطان.
لذلك، فإنّ تمسك الأردن بـ"عدم التدخل بالشأن الفلسطيني" يبدو غير مقنع اليوم، ولا بد من إعادة فتح قنوات الحوار والتواصل والتفاهم مع كل من حماس وفتح والفصائل الفلسطينية ونخب متنوعة من الأشقاء الفلسطينيين، بالتنسيق مع مصر، على الأقل فيما يتعلق بالوضع الأمني في الضفة الغربية، الذي يرتبط بالأمن الوطني الأردني بامتياز.
لمواجهة التهديد الجديد للأمن الوطني اليوم، فإنّ الخطوة الأولى الرئيسة تكمن في بناء قراءة رصينة من خبراء وسياسيين تجيب عن تساؤلات جوهرية: أولاً - ما هي تداعيات وجود هذه الحكومة على الأمن الوطني الأردني وعلى مستقبل التسوية السلمية، وثانيا - ما هي المقاربات الأردنية والخيارات المتاحة للتعامل معها؟..
في السياق، فإنّ المطلوب الابتعاد عن خطابين في المشهد السياسي، الأول يهوّل من خطر الحكومة الجديدة باعتبار "الخيار الأردني" قدراً، أما الثاني فيقلل من خطورتها، ويقدم خطاباً خشبياً يستعيد فيه مرحلة حكومة نتنياهو السابقة، التي واجهها الأردن.
أقترح، هنا، على الصديق العزيز د. نواف التل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، أن يتصدّى المركز لهذه المهمة من خلال سياسيين وباحثين يقدمون رؤية للتعامل مع حكومة نتنياهو وتداعياتها الإقليمية والخيارات الأردنية. فمثل هذه المقاربات بمثابة "البنية التحتية" المطلوبة لأي سياسة خارجية، تستند إلى تفكير عميق وواقعي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد