مشروع الديمقراطية التي يأتي بها الغرب، والتي لا تستند الى برنامج وطني داخلي تؤدي غالبا الى الدولة العربية الفاشلة، والمعرضة الى التفكك، والانحلال، وقد استخدم شعار تصدير الديمقراطية في تحويل العراق الى دولة متضادة قابلة للانفجار، وما تزال تفشل عن الوفاء بأدنى متطلبات النظم السياسية، ويبدو ان الغرب يستغل توق الشعوب العربية الى التحرر من حكم الفرد في اعادة رسم خريطة المنطقة بحيث يدس اهدافه الخبيثة في صلب عملية التغيير الجارية فيها، وربما ان الانجازات التي حققها على هذا الصعيد تنوف بعشرات المرات عن الانجازات التي حققتها الشعوب العربية بتغيير عدد من الانظمة، ويلحقها غالبا الفشل في بناء نظام وطني بديل يحافظ على الوحدة الترابية للدولة، والكيان الوطني فيها، واعادة تكوين النظام العام الذي يتشكل من جملة من القوانين والانظمة الملزمة للافراد طوعا داخل كيان الدولة، ويضمن استمرارها.
واذا كان تدمير الجيش العراقي، واخراجه من توازنات القوى في المنطقة لصالح هيمنة اسرائيلية عليها احتاج لعشرات السنين، وذلك ما بين، ضربات جوية وحصار اقتصادي، ومناطق حظر جوي اعقبها العدوان الاطلسي المباشر، والذي افضى الى تدمير القدرات العراقية، وافناء القاعدة العلمية التي صرف عليها المليارات، ومرد ذلك الى ممانعة الشارع العربي ، وهو ما اضطر عددا من الانظمة العربية الى مجاراة شعوبها وعدم الانضمام الى المعسكر الغربي الخليجي انذاك والذي كان يهدف لاسقاط النظام العراقي، وها هو العراق الديمقراطي الذي بشرت به امريكا وبريطانيا ماثل امام العرب كدولة فاشلة، وكأنه بات غير قائم في النظام العربي. اذا كان الجيش العراقي احتاج لكل هذه المدة لتدميره الا ان تدمير الجيش السوري، واخراجه من موازين القوى احتاج لمدة اقصر بكثير ربما هي سنة وعدة اشهر وذلك بفضل قناة الجزيرة التي تمكنت الى جوار العربية، وبعض القوى الاسلامية الطامحة للحكم، ومشايخ السلاطين من ان يعيدوا صياغة الرأي العام العربي في ضوء التوازنات المرغوبة في المنطقة، وتحوير الاصطفافات التي كانت سائدة الى ما قبل سنوات معدودة، بحيث من هول الغرابة يقف في صف واحد كل من (حلف الاطلنطي، وامريكا، واسرائيل، وجامعة الدول العربية، والقوى الاسلامية، والشارع العربي) في مواجهة النظام السوري الموغل في قتل شعبه، وهو الهدف المعلن والذي يتخفى من خلفه الهدف الاستعماري المتمثل بازالة قدرات الجيش السوري الذي انشق الى جيشين بمباركة عربية، ورعاية غربية يدمران بعضهما البعض، ووصولا الى تفكيك البلد، والحاقها بما يماثل الحالة العراقية، وكل ذلك بغية اعادة النفوذ والسيطرة الاسرائيلية التي ستمتد الى كافة انحاء المنطقة في ظل التوازنات الجديدة.
والخطة الذكية التي توافقت عليها الدول الغربية في الحالة السورية لا تخفى وهي اعتماد عامل التدمير الداخلي لحسم الصراع ، والتي تفضي للقضاء على كافة عوامل قوة الدولة السورية بحيث يترافق سقوط النظام مع تدمير قدرات الجيش السوري، وتعريض البلد الى مخاطر جدية في الانشقاق، وانهاك الداخل مما يفضي الى خروج هذا البلد من موازين القوى في المنطقة مستقبلا ، او استمراره كدولة فاشلة غير قادرة على اقامة نظام سياسي يوفر الامن كحد ادنى من متطلبات النظم السياسية. وهذه الديمقراطية التي تأتي بها المعارضات العربية المدعومة من الخارج لا تحمل سمات الداخل الوطني، وانما اهداف واغراض الدول الاستعمارية التي تداخلت في عصب وعمق عملية التغيير الجارية في المنطقة في سياق الربيع العربي للاسف، وعملت على تحويرها لتحقيق اهدافها الاستعمارية، والتي فشلت عنها لعشرات السنيين من قبل .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة رشاد أبو داوود جريدة الدستور