منذ ما يربو على العام ونصف العام، ومجالس الاردنيين تعج بمطالبات محاسبة الفساد، وضرورة اجتثاثه من الحياة العامة ، ولا تكاد تخلو جلسة تجمع عدة اردنيين من نقد مبرح للفاسدين المفترضين، وتحميلهم المسؤولية عما الت اليه الاوضاع في البلاد. وتكاد مطالب محاسبة الفاسدين تشكل قاعدة الاجماع الوطني لدى الاردنيين الذين يعدون الفساد بمثابة العدو الاول لهم، والمتسبب بغياب العدالة الاجتماعية، وقد اثر على حياة الاجيال الاردنية، واضعف المشاعر الوطنية، والثقة بمؤسسات الدولة.

وفي المقابل تصمت القوى الاجتماعية المطالبة بالاصلاح، وكذلك الائمة، والوعاظ،، والمؤسسة التربوبية، والقيادات العشائرية، ومنظمات المجتمع المدني، وحتى الهيئة المستقلة للانتخابات التي تعقد عليها الامال باجراء انتخابات نزيهة عن الفساد الاكبر الذي يبنى عليه بقية منظومة الفساد، والمتمثل بأفة شراء الاصوات التي بدأت تطل برأسها مع توجهات حل مجلس النواب واجراء انتخابات مبكرة.

ولا ادري فهل هنالك وسيلة اكبر فتكا بوعي المجتمع، وتوجهاته الاصلاحية من ان يتم تحويل ذمم الناس الى سلعة قابلة للبيع والشراء، ومن ثم تتشكل قاعدة يرتقي بها الفاسدون الى سدة البرلمان كي يشرعوا للاردنيين القوانين التي تحكم حياتهم، وكيف يقوى هؤلاء الذين كانت رافعتهم الانتخابية عمليات شراء الاصوات، وتحويل ذمم الناخبين الى سلعة على محاسبة الحكومات، والوقوف في وجه عمليات الفساد التي تكتنف ممارسة السلطة لاعمالها.

وما فائدة كل اجراءات النزاهة في كافة مراحل العملية الانتخابية اذا ترك الفاسدون احرارا يمارسون الجرائم الانتخابية علنا في المجتمع، واخطرها شراء الاصوات، ويعلنون تسعيرة للصوت الانتخابي حسب المناطق، ويفتحون مكاتب للسمسرة، ويطوفون على البيوت محملين بالدنانير، لتعلو عمليات شراء الاصوات وجه المجتمع في حين ان الدولة تبدو غائبة تماما عن المشهد، او تنأى بنفسها حتى نصحو اخيرا لنجد هذه النوعية التي هي اس الفساد في أي نظام سياسي تشكل صلب السلطة الام في الدولة، والتمثلة بالسلطة التشريعية.

وهؤلاء الذين يخربون البنية الاخلاقية في المجتمع باتوا يشوهون صورة العملية الانتخابية التي تعد الارقى في الممارسات السياسية في العالم حيث تسفر في كل المجتمعات عن ارادة الامة الحقيقية، وتتيح لها تفويض وكلائها الى مؤسسة الرقابة، والتشريع في النظام السياسي.

والفاسدون انتخابيا لا يجدون الى هذه اللحظة جهة تردعهم، وتوقفهم عند حدهم وتعيد للعملية الانتخابية قيمتها الحقيقية حيث الصوت الانتخابي يعبر عن قناعات الناخبين، ولا يعطى نظير مقابل مادي، وهو ما يقيس المسافة بين الصوت الحلال، والصوت الحرام.

ثم ان هنالك تساؤلا يمكن طرحه على المجتمع المسلم الذي يتحرى الحلال ولا ينغمس في المال الحرام حول مدى مشروعية بيع الصوت الانتخابي، واكل ثمنه، والذي هو شهادة افتى الفقهاء بضرورة ادائها بحقها، وهل تعد هذه الممارسة متوافقة مع شخصية الانسان المسلم الذي يتحرى فعل الخيرات، ولماذا تقع هذه الممارسة دون وازع من دين في مجتمعنا، ولماذا يتقدم الغرب الملحد او الكافر او العلماني بنظر الكثيرين منا علينا في استحالة تحويل العملية الانتخابية في مجتمعاته الى مسلسل لبيع وشراء الاصوات، ويمكن لهذه العملية ان وقعت ان تحدث حرقا سياسيا لمن يمارسها، وتؤدي الى سقوطه حتى لو كان مرشحا لرئاسة الدولة، او حزبا سياسيا يحظى بالاغلبية الشعبية.

دعونا نكون اكثر صراحة ، ونسأل لماذا تغيب الادانة المجتمعية لمن يمارسون عمليات شراء الاصوات عندنا علنا في الدوائر الانتخابية حتى استفحلت، واصبحت نسبتها في تصاعد من انتخابات لاخرى، ولماذا لا يشعر الفاسدون الذي يشترون الاصوات بالخزي، وعدم احترام الناس لهم.

وكيف تغيب النظرة الاجتماعية الرادعة لهذه المجموعات مما يمنعها مجددا من مثل هذه الممارسات ، والتي تعد مشينة في كل المجتمعات المدنية الحديثة.

اليوم تترافق مع دعوات الاصلاح واجراء انتخابات نظيفة لمجلس النواب ممارسات لشراء الاصوات تقع علنا حيث تصل تسعيرة الصوت في بعض الدوائر لمئة دينار في ظل صمت الهيئة المستقلة للانتخابات، واجهزة الدولة، وغياب القوى الاجتماعية الفاعلة ، والضمير الاجتماعي بحيث قد تصبح هذه الممارسات مستقبلا هي الوسيلة الاكثر فاعلية في الوصول الى كراسي مجلس النواب، وهو ما قد يتيح تشكيل الحكومات من هذه النوعية لا سمح الله.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رشاد أبو داوود   جريدة الدستور