ليس من المصلحة الوطنية دفع الإخوان المسلمين الى التشدد قصرا في الاردن ، ووضعهم في دائرة الاستهداف المتواصل لمجرد الاختلاف معهم في موقفهم من قانون الانتخاب، او على خلفية مسيرة، او مطالبهم الاصلاحية التي تلتقي مع مطالب الشعب الاردني، وبما يعزز شعورهم بالاقصاء ويؤدي بهم بالتالي الى الرد بالمثل، والى البقاء في حالة استنفار تشد من اعصاب الدولة الاردنية، والتي تبعد كل الأطراف عن التسوية الوطنية المرغوبة في هذه المرحلة التاريخية من عمر الاردن للخروج به من عنق الازمة، والتي لا يمكن ان يغيب عنها الإخوان بأي شكل من الاشكال، وليس صحيحا ان تركهم في الشارع يضعفهم، فإخوان الأردن متداخلون في النسيج الاجتماعي الاردني، وربما يمثلون احدى حالات التمازج الاجتماعي الفريد، ومعبرة بالضرورة عن اردن المستقبل الذي تذوب فيه الهويات الفرعية لصالح المواطنة كهوية واحدة جامعة لكل الاردنيين.
والإخوان المسلمون ساهموا تاريخيا بتنشيط الحياة السياسية، وانجاح العمل الدعوي، وفي التأطير الفكري والحزبي، والخروج من اسر العشيرة كمكون اجتماعي راح لملء الفراغ يلعب دورا سياسيا.
وخروج الإخوان من معادلة الانتخابات مجددا يعني طغيان الطرح العشائري الصرف عليها ما يضعف فرصة تبلور حكومات البرامج السياسية في المشهد الأردني، وهو حاجة وطنية ملحة.
واليوم مع تباين وجهات النظر، والرؤى للخروج من المأزق الوطني يحق للاخوان المسلمين الذين اتصفوا تاريخيا بالحكمة، والرزانة، وكانوا يحاكون المصلحة الوطنية في قراراتهم ان يكون لهم رأي مغاير، وان يسمع لرأيهم، وان يعطوا الفرصة لتقديم البديل، وان يصار الى تشجيعهم للانخراط في المعادلة السياسية التي جرى اخراجهم منها عنوة في السنوات القليلة الماضية، وما ذلك إلا عندما ضاق افق بعض المسؤولين، وبحثوا عن مكاسب، وانتصارات آنية على حساب المصلحة العامة التي هي بعيدة المدى.
والتنظيم الإسلامي الكبير الذي اختلفنا معه في بعض القضايا، او في الكثير منها لا يخفى دوره واثره في التمازج الاجتماعي في الاردن، وفي وضع الإساس للحالة الدعوية الناجحة التي شملت الاف المنابر، وعملت على بناء الانسان الاردني، وتحصين قيمه، ونظامه الاجتماعي، ولهم قدم السبق في اشاعة الوعي السياسي، وتثقيف الناس بالقضايا العامة، واخراجهم من دائرة التهميش والغياب، وقد خرج التنظيم قيادات ورموزا دينية، وسياسية، وثقافية، وقانونية يفخر بها الوطن، ولا يليق ان تكون حالة عابرة من الخلاف مدعاة لهدم الشراكة الوطنية، والايغال في اتهام التنظيم، والاساءة لدوره، وتشويهه، وتعريض قياداته لحملات التشهير والتجريح، ونقل دائرة الخلاف من الرأي الى التطاول، والاساءات ، وهو ما قد يدفعه الى مزيد من النفور من الحياة السياسية ، والإصرار على المقاطعة، وربما نفوت فرصة الالتقاء في منتصف الطريق.
لا مناص لمن يملك البصيرة من مشاركة الاخوان المسلمين في الانتخابات القادمة حتى تكون ناجحة، ومفضية الى نقلة سياسية مشهودة في الأردن، ومن حقهم ان يكون القانون موافقا لمصالحهم كتنظيم سياسي، وان لا يلحق بهم الظلم، ومن الانصاف ان تسفر تجربتهم السياسية الطويلة، والتي قاربت على القرن ما بين العمل الدعوي والسياسي،- وهم الذين أثروا الحياة السياسية في الأردن- الى حد تشكيل حكومة الأغلبية البرلمانية، او التحالف لهذا الغرض مع غيرهم من الكتل البرلمانية، وهم باعتراف الجميع كانوا جزءا من النظام، ويمثلون تجمعا سياسيا أصيلا في الحياة العامة في الأردن، وقد قدموا خدمات سياسية جليلة للدولة الاردنية، وابعدوها عن الهزات في منعطفات كثيرة، وذلك يبعد المخاوف حول تسلمهم مسؤوليات تنفيذية في المملكة، ولا يجوز محاصرتهم بسوء النوايا، والتشكيك بمقاصدهم السياسية، والحيف بهم، او الاستئثار دونهم بالسلطة فقد شكل الحكومات مختلف التكوينات الاجتماعية في الاردن، ولا بأس من نقل التجربة الى الجهة الحزبية، والتي تعد جبهة العمل الاسلامي الأوفر حظا في هذه الحالة، وربما يحفز ذلك بقية الجهات الحزبية لإعادة بناء ذاتها على اسس شعبية حقيقية، وهذا يستكمل البناء الحزبي الذي يتيح تداول السلطة اذا كنا نتطلع الى ذلك حقا.
ومن دواعي المصلحة الوطنية وقف الاتهامات، وحملات التشهير، وإعطاء المجال للوصول الى تسوية الساعات الأخيرة، وبما يضمن لقادة الحركة الإسلامية أن يعودوا الى قواعدهم بشيء ملموس، وبما يمنع من إحراجهم إذا رجعوا عن قرار المقاطعة، وبذلك نحافظ على قاعدة اساسية في بنائنا السياسي، والتي مفادها ان مستقبل الأردن يبنيه الجميع.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة رشاد أبو داوود جريدة الدستور