استحلفكم بالله كفى، وليتوقف التدمير السياسي الدائر حالياً عند هذا الحد، ويكفينا ما خسرناه في خضم الايام والاشهر الماضية، ودعوا الاردنيين يعيشوا بسلام، فالبلد شهدت تغييرات لم تحدث في كل تاريخها، واجتاحتها موجة عارمة من الافكار السوداء وقد تركت الاردنيين صرعى الاشاعات والاقاويل، والروايات المبهمة وسادت المشاعر السلبية البلد كله، وخفت الشعور الوطني عند العامة، فلم اسمع في كل حياتي او ار مثل هذا الغضب الذي بلغ في القرى والمحافظات الحناجر، وكاد يقلب توجهات الاردنيين مرة واحدة، وقد سلمتهم الايام الاخيرة الى اوضاع مآساوية غير مسبوقة، وتركت الاحوال المعيشية المستجدة مرارة في نفوس الناس وما عدت تسمع تفاؤلاً قط، والكل يسيطر عليه الشك وعدم اليقين حيال المستقبل، وحتى غلاة المؤمنين بهذا الوطن ومسيرته باتت تنتابهم الشكوك، واجرت عليهم حمى الاحداث الاخيرة تحولات جذرية.

وعمت الاردن حالة لم تحدث من قبل من قلة الثقة بالسياسيين، وبات التشكيك في كل شيء امراً اعتيادياً يمارسه كل فم او لسان اردني، وخسرنا في هذه المرحلة ما لم يكن بالحسبان، وتبددت مشاعر وطنية كبيرة في ايام، وسيطرت على الناس المخاوف والهواجس، وامتلأت القلوب بالقهر، والشارع الاردني بلغ ذروته في الاستفزاز، وبات عدم القبول ورفض السياسة يوحد الناس في كل الامكنة، وما مرت القرارت الاخيرة الا وقد اخذت معها محبة الاردنيين، ورضاهم وتفاؤلهم بالمستقبل، واضعفت التصاقهم بوطنهم، ودخل الشقاء وتبعاته الى اماكن جديدة في المجتمع، والتحق الكثيرون نظرياً بخندق المعارضة غير الواعية، وصار كل يوم يشكل هماً معيشياً على المواطن الاردني يسهم في تكبير شرخ العلاقة السياسية التي كانت اكثر ثباتاً في الماضي القريب.

ومرت البلد بتحولات كبيرة حتى انها لتشهد يومياً مزيداً من التدهور في المشاعر الوطنية وانخفاضاً في مستوى الانتماء الذي كان خارج حسابات السياسة وتبدل الحكومات.

فماذا جنينا بالمقابل كي نتكبد كل هذه الخسارة الفادحة ، ولذا استحلفكم بالله وانا ينتابني الحزن العميق ان تتوقف المأساة عند هذا الحد، وليتم بسرعة تلافي الاثار المدمرة التي تركتها الايام الماضية على مجتمعنا، وقد غدا هشاً مهزوزاً ، تجتاحه مخاوف المستقبل، وسوء المصير، وليتم وقف ارتفاع الاسعار بأية وسيلة ، مع ما يرافق ذلك من ضرورة ان تسحب الحكومة سياساتها الاقتصادية التي اثارت موجة الاضطرابات والفوضى، وعلينا ان نقدم رضا شعبنا وتفاؤله بالمستقبل على اية مغامرات لم تجلب سوى السوء على هذا الوطن الذي بني عبر عشرات السنين، وتركت الاردني نهباً للاشاعات والشكوك، والاقاويل.

وانا ادعو من موقع الناصح المحب أن تؤخد قدرة الشعب الاردني على الاحتمال بعين الاعتبار عند اجتراح السياسات، وليتم قياس مدى الرضا الشعبي الذي يسهم في انجاح السياسات اصلاً عن طريق خبراء في الرأي العام، وليس من قبل اصحاب مصالح خاصة يقدمونها على مصلحة النظام، او من قبل موظفين كبار لا يدرك احدهم اهمية الامن الشامل الذي يجعل الامن الغذائي والمعيشي، والنفسي للمواطن جزءا اصيلاً من المعادلة الامنية، ولا ينحصر الامن فقط في جاهزية السجون، وصلابة الاجهزة الامنية، والقدرة على تقديم المخالفين والمناوئين الى المحاكمات.

وليتم بسرعة مراجعة مدى الضرر الذي اصاب كيان الوطن على خلفية السياسات الاقتصادية الاخيرة ، ولتتخذ القرارات المناسبة في ضوء معادلة صحيحة توازن بين حجم الاضرار وما حققته السياسات التي لا تحظى بقبول الناس.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رشاد أبو داوود   جريدة الدستور