قصة أحزنتني لأحد البسطاء من موظفي الدولة يحدث أن يتعرض في منتصف الشهر إلى زيارة مفاجئة من قبل شقيقته ، وكان لا يحمل في جيبه من بقايا راتبه سوى خمسة دنانير ، فيلوذ إلى محل بيع الدواجن في الجوار ليشتري بأربعة دنانير ونصف طيرا من الدجاج ، ثم يعود مسرعا إلى بيته ليقوم بأداء واجب الضيافة. إلى ذلك تخبره الزوجة بعدم توفر مادة الأرز ، وبعد جهد يتم تجميع”الفراطة” المتبقية في المنزل لشراء كيلو من هذه المادة الرئيسية ، ثم وبعد دقائق من وضع الطبخة على الموقد يحدث أن تنفذ جرة الغاز ، وتخفت ذبالته إلى أن ينطفئ. يهم الرجل لوهلة برمي نفسه من فوق سطح المنزل الذي يقطن فيه بإجرة شهرية ، إلا انه يحسم خياره بأن يهيم على وجهه في الزقاق، ويأخذ بالحركة جيئة وذهابا والى ذلك يلتفت إليه جاره صاحب السوبر ماركت فيسأله عما يتسبب له بكل هذا الضيق البالغ الذي يظهر من تشتته وحركاته الدالة عليه ، عندها يخبره بازمته المتمثلة بعدم توفر “جرة غاز” في المنزل لإتمام واجب الضيافة لأخته التي لا تدري بما ينتابه في هذه اللحظات ، ويعرض ساعته ، وهاتفه النقال على جاره كرهن نظير الحصول على ثمن جرة الغاز ، ولم يكن بمقدور الجار سوى أن يهب لنجدة جاره الفقير بالمبلغ طالبا منه المغادرة بسرعة كي لا تلحظ أخته غيابه ، مع احتفاظه بهاتفه وساعته وتأجيلهما لضائقة أخرى.
قد تكون هذه الحادثة الصغيرة تختصر ما يتعرض له الكثيرون من ابناء القرى الاردنية البائسة ممن يتعاطون مع الرواتب المتدنية ، وهم غالبية الشعب الأردني في الارياف ، وهؤلاء قد يترتب على احدهم أجرة منزل مستأجر ، وربما رسوم طلبة جامعيين، وقد يجتمع طالبان في آن معا على المعيل، وكذلك مصاريف معيشة من مأكل ، وملبس .
وهي قصة تؤشر على أحوال شريحة كبيرة من الأردنيين الذين يذوقون الأمرين كي يواصلوا الحياة بالحد الادنى، ولمواجهة حجم الضغوط التي يتعرضون لها من مجريات الحياة اليومية ، ومن الضرورة بمكان مراعاة أحوال هذه الشريحة التي تمثل الغالبية من الأردنيين ، ومدى قدرتها على مواصلة الحياة بطريقة كريمة.
والأردنيون اليوم تطرق آذانهم أخبار الطبقة المرفهة، والحياة الخيالية للمدللين، والرواتب العالية للمحظوظين من أبناء الذوات ، والعقود الخيالية للبعض ، في حين يتوسد جلهم الفقر ، والحاجة . فقراء رصيدهم محبة الوطن وهم الذين تنهشهم الحكومات والسياسات ، وقد نكون بعدم الالتفات إلى سوء أحوالهم المعيشية نوصلهم إلى طريق مسدود الوطنية.
وهنالك خطورة لعدم وجود حماية حقيقية لمستويات المعيشة في الاردن . ففي البلد اسر تعاني من وطأة رسوم أبنائها الجامعيين، ولا تكاد تطيق الحياة ، وهنالك موظفون لا يجدون أجرة الطريق الى اماكن عملهم ، ويعيشون عيش الكفاف وأطفالهم ، وأسر تكسر عليها أجرة البيوت ، وشباب أخفقوا في معرفة طريق المستقبل. وهم ليسوا حلا لمشاكل البلد الاقتصادية .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة رشاد أبو داوود جريدة الدستور