في تعليقه على حادثة الاعتداء على المعارض السياسي المعروف، ليث شبيلات، (في مخبز صلاح الدين) يشير الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام الرائد محمد الخطيب، أنّ هنالك معلومات أولية تشير إلى "مشادة كلامية" بين شبيلات وبعض الشباب المتواجدين قبل الاعتداء عليه!
في الحقيقة، لو التزمت الجهات الرسمية بالصمت لكان أفضل من هذه الإشارات، التي لا أعتقد أنّ أحدا عاقلاً يقبل بها، ولا تليق بالرأي العام الأردني، ولا بالخطاب الرسمي أمام الرأي العام العالمي، الذي وصلت إليه حادثة الاعتداء بلمح البصر، فأعادت شبيلات للأضواء بعد زمن طويل من الهدوء!
حديث المواربة والالتفاف في مناقشة هذه القضية الحساسة لا يخدم ما نريد الوصول إليه، ولن يقبل الناس ذلك اليوم، ولا بد هنا من وضع الأوراق على الطاولة بوضوح.
نحن أمام احتمالين بخصوص جهة الاعتداء، الأول الذي تشي به تلميحات شبيلات، ويلقى رواجاً لدى شريحة واسعة في الشارع، بأنّ هنالك جهة رسمية معينة، أو قريبة منها، متورطة بالاعتداء عليه، والثاني أنّ هنالك جهة سياسية أو غير سياسية، لها ثأر مع شبيلات، دفعت باتجاه الاعتداء عليه.
إذا صحّ الاحتمال الأول (لا سمح الله)، فنحن بالفعل أمام تردّ مرعب وصلت إليه الأمور، عنوانه الرئيس "إفلاس سياسي"، إذ تعدم مؤسسات في الدولة الوسائل القانونية والسياسية والإدارية الناجحة للتعامل مع المعارضة، فتلجأ إلى بلطجة سياسية، وكأننا في دولة "فلتان أمني"، لا تمت إلى العالم المتحضر بصلة.
ليث شبيلات شخصية جدلية، وله آراؤه ومواقفه، التي تتجاوز حدود النقد السياسي المعروف في الأردن، لكنه في الوقت نفسه علامة مسجّلة للبلد، تُظهر درجة التسامح السياسي لدى النظام ومؤسساته والأريحية الفريدة المفقودة في العالم العربي.
وإذا كان شبيلات قد "خرق" بعض التقاليد الأردنية (كما يرى سياسيون ومسؤولون)، فإنّ من أصدر قراراً بضربه (إن كان على صلة بالدولة أو قريباً منها) هزّ جدار هذه التقاليد الراسخة، وأضرّ بصورة الأردن، في وقت حرج وحساس.
أمّا إذا افترضنا الاحتمال الثاني، وهو وجود جهة تقف وراء الاعتداء لها ثأر مع شبيلات، فإنّ الحادثة أيضاً مرعبة، إذ تشير إلى الاستخفاف بالمؤسسات السياسية وبالأمنية، واللجوء إلى منطق العصابات والمافيات وإدارة الظهر للقانون وعدم العبء بهيبة الدولة.
صورة الأردن المميزة سياسياً وأخلاقياً في المنطقة مرتبطة بوجود تقاليد سياسية محترمة وراسخة، لا تُمس من قريب ولا بعيد، تقوم على تحريم وتجريم الاعتداء وإراقة الدماء على خلفية سياسية أو ثقافية، إذ تتجاوز العلاقات الإنسانية والاجتماعية كافة الاعتبارات والمواقف السياسية، وتقوم على إلغاء منطق الثأر السياسي بين الجميع.
هذه التقاليد هي "سياج حماية" متين لا يجوز أن نتخلى عنها أو نتهاون فيها، وهي مصدر من مصادر قوة الأردن الناعمة التي تجعله موضع احترام وتقدير عالمياً وإقليمياً، ومن يخالف هذه التقاليد فإنّه يهدم من بنيان الوطن.
ما هو أسوأ من ذلك أن تتزامن حادثة الاعتداء مع الجهود الأردنية الكبيرة المبذولة لحماية الأقصى وردع جيش المستوطين الإسرائيليين، وقد ارتفعت وتيرة التسخين الإسرائيلي في معركة القدس بالأمس، بصورة ملموسة.
الدولة (هنا) وحيدة في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، وتتقدم على كافة الدول العربية وتقود المعركة السياسية بجدار واقتدار. أما حادثة الاعتداء على شبيلات فتغطي على الموقف الأردني في القدس لصالح قضية محدودة ستأخذ صدى إعلامياً واسعاً ولدى منظمات حقوق الإنسان.
(إلى حين كتابة هذا المقال) لم يقم مسؤول أردني رفيع بزيارة ليث شبيلات لتقديم رسالة مغايرة للانطباع السائد، بل هنالك حالة أقرب إلى الصمت الرسمي، باستثناء رواية الأمن العام الهشّة. ما هو أبعد من ذلك، الجهات الرسمية مطالبة بكشف أبعاد الاعتداء والمتسببين فيه في أسرع وقت، وتبرئة ساحة الدولة أمام الرأي العام من أي شبهات قد تثور حول الملابسات، ورد الاعتبار لهيبتها بعد هذا الاعتداء الذي وقع عليها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد