تواصل الحملة الإعلامية المصرية ضد الجزائر وارتفاع وتيرة التحريض الشعبي، بدفع رسمي عالي المستوى بمثابة مشهد مثير للدهشة والسخرية والمرارة في آن واحد!
التباكي على كرامة مصر والتحشيد الهائل والتذكير المستمر من قبل الإعلاميين والسياسيين والفنانين بمكانة مصر ودورها وريادتها العربية لا يمكن اختزاله بحدود ما جرى في ملعب أم درمان وما حوله، إنّما هو شعور متراكم مكبوت ممزوج بالقهر مما آلت إليه حال "أم الدنيا" وعاصمة العرب الثقافية والسياسية.
لا يمكن اختزال الكرامة المصرية في صدام سخيف مع الجزائر على خلفية مباراة كرة، فمشكلة مصر ليست مع الجزائر، إنما هي مسألة داخلية بامتياز، ومحصلة لسياسات خاطئة وكارثية أودت بمصر إلى هشاشة داخلية وخارجية على السواء.
المسؤول الحقيقي عن الحال المصرية اليوم هو النخبة الحاكمة نفسها، التي أرادت ركوب الموجة وتوظيف مشاعر الناس الوطنية والمكبوتة المأزومة في حدود تداعيات مباراة كرة قدم!
هل استيقظ المصريون بين عشية وضحاها ليكتشفوا أنّ كرامة مصر هُدرت في الخرطوم فقط، بمجرد إصابة بعض المشجعين والاعتداءات التي تعرّض لها الجمهور المصري هناك؟!
ألم تُهدر الكرامة الوطنية المصرية في معدلات الأمية المرتفعة والبطالة والفقر والحرمان الاجتماعي والنكوص السياسي بعد أن كانت مصر في بداية القرن في مقدمة دول العالم التي دخلتها الحداثة وهي التي احتضنت كبار الأدباء والمفكرين والمثقفين والعلماء العرب؟!
ألم تُهدر كرامة مصر بعد أن كشفت الوثائق أن إسرائيل قتلت الأسرى المصريين في حرب العام 1967 بدم بارد، وبطريقة بربرية تخجل منها الإنسانية؟! لماذا لم يتحرك المحامون المصريون لمحاسبة إسرائيل في محكمة العدل الدولية، كما يطالب بعضهم اليوم ضد الرئيس الجزائري؟
ألم تهدر كرامة مصر وقد بات اقتصادها يعتمد على المساعدات الأميركية، والعشوائيات تحيط بالمدينة التي صدّرت الفن والأدب والثقافة والخبرة للعالم العربي والإسلامي؟!
ألم تُهدر كرامة مصر عندما تتفرد إسرائيل بفلسطين وتستبيح دماء أطفال غزة ولبنان؟ وبدلاً من استعادة دور القاهرة في ترتيب البيت العربي وقيادة العرب نحو التاريخ مرة أخرى ووضع حد للانهيارات العربية، يهرب الخطاب المصري بعيداً لتهديد طهران وتحذيرها من التدحل في الشؤون العربية؟!
من حق السياسيين المصريين التباكي على هيبة مصر ودورها، لأنّ مصر والعرب أصبحوا جميعاً أصفاراً إقليمية عاجزين عن الوقوف وحماية مصالحهم الاستراتيجية والأمنية، بينما تتشارك الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، وأخيراً تركيا، في صوغ المرحلة الإقليمية وحساباتها!
"الغيرة على الكرامة الوطنية" حالة يجدر أن تعمم عربياً، لكن ليس في سياقات توظيفات سياسية مكشوفة.
لو فكرت الشعوب العربية في أوضاعها وما آلت إليه فلن تخرج بنتيجة أفضل مما خرج بها الأشقاء المصريون.. فإذا كانت قاهرة التاريخ والثقافة والسياسة وصلت إلى ذلك، أين تقف باقي العواصم العربية..
أيها الأشقاء المصريون يا أجمل العرب وأحلى العرب.. لا عليكم.. فكلنا في الهم شرق
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد