يظل التساؤل قائما عن مدى ارتباط عمليتنا التعليمية باحتياجات الإنسان الحقيقية ، وضرورة تزويده بالعلم النافع ، وهل توقف العقل العربي عند هذه الحدود الضيقة ، ولماذا يغيب المجددون في التربية لتحريك عقول وأذهان طلبة المدارس ، وربطهم مع متطلبات الحياة المتسارعة التي تجاوز فيها العلم حدود المستحيل ، حيث حولت المعلومات إلى أدوات ووسائل طورت الحياة ، والى متى سنظل نضيع الوقت ، ونحكم على الأجيال بالدوران حول هذه النظرة التقليدية الضيقة؟.

ولماذا لا تتجاوز العملية التعليمية أسوار المدارس، والجامعات إلى حيث المجتمع لتغيير مفاهيمه، وإجراء تغييرات ثقافية جذرية تعمل على تفكيك المشكلات التي تعترض طريقه، والتي تلقي بظلالها السوداء على عملية التطوير الاجتماعي، وتبقينا ندور في إطار دائرة مفرغة محصورة بالفهم المغلوط للحياة، إذ نقع ضحايا نظرتنا القاصرة لها ، ما أبقى القيود قائمة على العقل، ومنعته من الارتقاء إلى فضاء الحرية الواسع، وعاش الإنسان مرعوبا في الأرض خوف أن يعبر عن ذاته الحقيقية، وهو رهينة السوط الاجتماعي الذي يجلد ظهره ، ونقل دعاة القيد هذا الخوف إلى الآخرة إذْ ينتظر الإنسان العذاب الأليم “وكأنهم يقسمون رحمة ربك”.

نحن محاصرون بتصورات جامدة موروثة عن زمن غادرت كل معطياته الحياة، وباتت تشكل حالة متواصلة من الوعي السلبي مما فاقم في معضلتنا الحضارية ، وما نزال نقبع تحت وطأة تفسيرات جامدة لكثير من العادات والتقاليد المانعة من الانطلاق، ومتابعة الحراك الإنساني الذي بلغ الذرى.

ولا شك أن العالم العربي المعاصر يواجه تحديات جذرية تؤثر على المستقبل، وتحتاج إلى إعمال العقل، وتضافر الجهود للخروج من هذه الوهدة الحضارية، وفي واقعنا ما يحتاج إلى المراجعة أكثر من أحاجي البحث عن لقمة العيش الكريم ، ومن ذلك ربط الأجيال بعجلة التطوير، والخلاص من رواسب الحياة الاجتماعية المغلقة، والتي يترتب عليها كيفية التعاطي مع الحياة ، حيث نمارسها اليوم بعجز واستلاب وتقديم الذات كضحية للظروف ، والأعداء الوهميين ، والتفسير الخاطئ للقيمة الاجتماعية، والكرامة مما اثر على أنماط السلوك التي أبقتنا خارج النظام ، وفقدان احترام قيمة العمل والإنتاج فأصبحنا نعيش على قارعة الحياة، وتجاوزتنا الأمم ، واسفرنا عن امة مهمشة في النظام الدولي ، تغرق في التفاصيل الصغيرة للحياة.

نحن ما زلنا مجتمعات بعيدة عن التأطير القانوني، وغابت عن سلوكياتنا قيم الحداثة، والمواطنة، والتنظيم، وأنظمتنا التي تظللنا اليوم تجاوزتها ساعة الزمن، ونحتاج إلى قراءة موضوعية للموروث الاجتماعي، وإعادة بعثه بصورة ابعد ما تكون عن تكريس الإعاقة في طريق الحراك المجتمعي، ولا يليق أن نطرح أنفسنا أمام الحياة بطريقة تستدعي السخرية والاستهزاء.

إذا ما أجريت المقارنات بين اهتمامات إنسان الأمم الحضارية مع إنساننا الذي نحرص على إبقائه في حدود التقليد والتصحر العقلي فستكون النتيجة مؤسفة للغاية حيث أصبحنا مجرد امة سرابية تعيش على فوائض العقل البشري ، وتواصل الحياة برحمة الآخرين.

وهي دعوة لرؤية أنفسنا بمرآة الغير لعلنا نصحو على أبواب القرن الواحد والعشرين والذي وصلت فيه الأمم حالة من الإشباع في الحقوق والحريات ، ونحن ما زلنا ندور حول صفر أيامنا في رزنامة الحياة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رشاد أبو داوود   جريدة الدستور