تتملّك نخبة معتبرة من السياسيين والمثقفين، خشية واسعة مما تحمله الأيام المقبلة، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
تلك "الخشية" يتسع مداها وتصل إلى أبعاد أكبر وأكثر تطرفاً لدى الرأي العام، ويمكن التقاطها من خلال التعليقات والتعقيبات، التي تظهر على مواقع الصحف والمواقع الألكترونية، وفي الجلسات العامة والخاصة.
هي ذات النتيجة التي قدّمها استطلاع للرأي العام، أجراه المعهد الجمهوري في عمان، في العام الماضي وأظهر حالة عامة من التشاؤم تسود في أوساط الأردنيين حول أوضاعهم المعيشية ومدى شعورهم بالأمان تجاه مستقبل أبنائهم.
ثمة أسباب مشروعة ومبررة لهذه الحالة المتراكمة من التشاؤم والقلق والخشية، وتحديداً في النظر إلى العام المقبل واستحقاقاته، ما يلقي بظلال ثقيلة جداً على عمل الحكومة ودورها.
لا تشي الخطابات الرسمية، سياسياً واقتصادياً، ولا حتى إقليمياً، بآفاق تدعو إلى الاطمئنان والشعور بالأمن الاجتماعي والاقتصادي.
المفارقة الصارخة تبدو أنّ الطبقتين الوسطى والفقيرة تعرّضتا لضغوط وانتكاسات اقتصادية ومالية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وعجزتا عن التكيف مع الأوضاع المعيشية واليومية، بينما كان الخطاب الرسمي يتحدث عن أنهار اللبن والعسل، وآلاف فرص العمل التي ستتدفق على المواطنين من الاستثمار، الذي جعلته الدعاية الحكومية بأرقام فلكية، ومنحته التسهيلات كافة، على الأقل ورقياً.
أوضاع الشريحة الواسعة كانت سيئة ومضنية اقتصادياً في ظل معدل نمو وصل (8-8.9) من الأعوام 2004-2007، وقد ترافق ذلك مع "انهمار حنفية" المساعدات والمنح الخارجية، التي ارتبط جلها بالدور الإقليمي الأردني، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى العام الماضي.
بالله عليكم، إذا لم يشعر المواطنون بالأمان والاطمئنان للحاضر والمستقبل، عندما كانت الدولة تتحدث عن ثمرات النمو الاقتصادي، فكيف نريدهم أن يشعروا بذلك الآن، والمؤشرات جميعها تسير نحو الأسوأ، مع انقطاع تدفق المساعدات الخارجية، والتلميحات الرسمية عن "عام الرمادة"؟!
كيف سيكون العام المقبل أفضل أو مدعاة للتفاؤل، ونحن نواجه عجزاً في الموازنة يصل إلى بليون ونصف بليون دينار أردني، والدين العام قارب عشرة بلايين دينار أردني، ونسبة العجز إلى الناتج الإجمالي تعدت مرحلة الخطر، وفق قراءات معتبرة، وكل ذلك بعد أن قَطع برنامج الإصلاح الاقتصادي أشواطاً كبيرة؟!
الفريق الاقتصادي الحالي موضع ثقة واحترام وارتياح، لأغلب المتابعين والمهتمين المنصفين، و"إعلان النوايا"، الذي قدّمته الحكومة، خلال فترة قصيرة، تجاه المال العام وضبط الإنفاق يحسب لها. لكن ذلك يأتي في الوقت الإضافي، وليس الأصلي، وبعد سنوات من التخريب والفوضى غير الخلاٌّقة، وبعد أن أضعنا فرصاً ذهبية، وأوصلنا الأوضاع الاقتصادية والسياسية إلى مرحلة حرجة.
من يتحملون المسؤولية عمّا وصلت إليه الأمور؟ عرّابو بيع الممتلكات العامة والبزنس والشركات الأجنبية والعلاقات العامة، تواروا وراء المشهد، ويراهنون على فشل الفريق الحالي بوجهته السياسية والاقتصادية الحالية، وهو الذي يدفع ثمن سياساتهم وتخبطهم خلال السنوات السابقة.
هل يخبرنا أحد ماذا حلّ بمشروع "سكن كريم لعيش كريم"، والوعود التي أحاطت به، وهو اليوم في حالة يرثى لها، أم عام الزراعة أم غيرها من مبادرات ومشروعات وأوهام البلايين وفرص العمل؟!
بالرغم من كل وعود الحكومة بمكافحة الفساد ومحاربته، فإنّ المزاج العام لديه قناعة راسخة أنّ مؤسسة الفساد متجذرة وصلبة، وأنّ الجهود الحكومية لن تنال إلا الفئات الضعيفة والمستويات الدنيا والبسيطة من الفساد.
الرهان الوحيد المتبقي لإنقاذ العام المقبل، بعد شدّ الأحزمة، يكمن بالمساعدات الخارجية، وتحديداً العربية، وهو رهان موضع شك، مع انسداد أفق التسوية السلمية، وتراجع الدور الإقليمي الأردني، إذ كان يوفر دوماً البوابة الرئيسة للمساعدات والمنح الخارجية، التي لا تدفع إلا بثمن أو دور سياسي؟..
الخشية على الفريق الاقتصادي الحالي أنه قد يدفع ثمن المرحلة السابقة، ويقف في مواجهة الشارع لاتخاذ قرارات غير شعبية، وهو ما يثير القلق على مصداقية هذه المجموعة الوطنية وشعبيتها وصورتها أمام الرأي العام!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد