اتسمت العقود الأخيرة من القرن العشرين، بالتراكم المتسارع للمعرفة الإنسانية والنمو المذهل للتطورات العلمية والتقنية التي تغذي حركة العولمة وتتغذى بها. وتجد الدول المتواضعة النمو نفسها في أحسن الأحوال، تلهث باستمرار وراء هذه التطورات وتطبيقاتها الحياتية وانعكاساتها الاقتصادية وامتداداتها الاجتماعية والثقافية. وتقع على عاتق النظام التعليمي ونظم تنمية الموارد البشرية بشكل عام، مسؤوليات كبيرة في هذا المجال. ولا تقلّ مسؤوليات الأطر السياسية والبيئة الاجتماعية والثقافية عن مسؤولية النظام التعليمي في مدى طبيعة الاستجابة لهذه التطورات العلمية والتقنية.
 
ومما تجدر الإشارة إليه، أن بعض الدراسات المستقبلية للعالم للربع الأول من القرن الحادي والعشرين تتوقع أن مستقبل العالم ستحركه أربع قوى كبيرة هي تقنية المعلومات والاتصالات، وتقنية المواد، وعلم الجينات، وتقنية الطاقة. وإلى جانب تلك القوى، ستشكل البيئة نظاماً عالمياً متكاملاً، مدعوماً بشبكة من المعايير والاتفاقات الدولية. وسينمو الاعتماد على الآلات المؤتمتة والأجهزة الذكية، وسيكون من الممكن السيطرة على كثير من الكوارث الطبيعية أو التخفيف من آثارها. وسيكون الإنسان أكثر فراغاً وأطول عمراً وأفضل تعليماً. وستنتشر المجتمعات والمؤسسات والنشاطات الافتراضية المبنية على الاتصال الإلكتروني. ولن يضطر كثير من العاملين لمغادرة منازلهم للقيام بمهامهم في مواقع أعمالهم. وهذه هي سمات "مجتمع المعرفة"  المستقبلي. وكلّ هذا سيكون واضحاً وملموساً على صعيد العالم المتقدم.
 
أما على صعيد العالم المتواضع النمو، فسيتراوح الوضع اقتراباً أو ابتعاداً عن هذه المشاهد الخاصة بالتطورات العلمية والتقنية بقدر ما تبذل أقطاره من جهود، وما تحقق من نمو وتطور واستثمار أمثل لمواردها البشرية والطبيعية. ومن الطبيعي أن تشكل الموارد البشرية، وبالتالي رأس المال المعرفي، العامل المشترك الذي يعتمد عليه نجاح الخطط التنموية، ويُحدد مدى الإنجاز والكفاءة والفاعلية الاقتصادية والاجتماعية. ولا يخفى دور المؤسسات المعنية بتنمية الموارد البشرية، من مدارس ومراكز وكليات وجامعات في هذا كله، بصفتها الخلايا الأساسية في النظام التعليمي وفي نظم تنمية الموارد البشرية بشكل عام، والأداة التي يتم عن طريقها جانب كبير من الاستثمار في رأس المال البشري، وبالتالي رأس المال المعرفي.
 
ويتميز الأردن في هذا المجال على أنه يقبل على تحوّل ديموغرافي نجم عن الانخفاض المستمر لمعدلات الانجاب خلال العقدين الماضيين مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة مَن هم في سن العمل (15-64 عاماً) مقابل انخفاض نسبة الأطفال المعالين (دون 15 عاماً)، وهو ما يطلق عليه أحياناً بالهبة الديموغرافية حيث تتوافر المعطيات لواضعي السياسات ومتخذي القرارات للاستفادة من هذه التحولات لتحسين متوسط دخل الفرد وتخفيض معدل الاعالة عن طريق تحقيق معدلات نمو اقتصادية مناسبة توفر فرص العمل الكافية لاستيعاب الزيادة في السكان ممن هم في سن العمل.

المراجع

المجلس الأعلى للسكان

التصانيف

المجلس الأعلى للسكان   سياسات   تنمية الموارد البشرية والإعداد لمرحلة الهبة الديموغرافية