ثمة دلالة أوسع وأكبر لمعركة الكرامة في وجدان الأردنيين وشعورهم الجمعي، تتجاوز ملامح معركة بطولية انتصر فيها الجيش العربي والفدائيون الفلسطينيون على عدوان إسرائيلي غاشم. إنّها دلالة سياسية ورمزية ما تزال حاضرة وفاعلة، وستبقى.الكرامة (لدينا) هي قرار استراتيجي وخيار نهائي، لا رجعة عنه، هي الحائط المنيع الذي يأوي إليه الأردنيون، عندما ينكفئ عنهم الصديق ويحيط بهم العدو، ويصبح الرهان اللئيم على سقوط الدولة في براثن الحل الصهيوني الإحلالي.
عندها ستكشف الأحداث الجوهر الأردني الثمين، الذي لا يساوم ولا يداهن، ويدفع ثمن كرامته بعزة نفس وإصرار.استعادة معركة “الكرامة”، أو بعبارةٍ أدقّ استحضارها اليوم، دلالة سياسية بامتياز، في خضم التحديات والتهديدات التي تواجه الأردن داخلياً وخارجياً، وهي بالمناسبة حال مشابهة تماماً لما كانت عليه الأوضاع عشية معركة الكرامة، لكن هذه المرّة بصيغ مختلفة، تحمل في طياتها الأخطار ذاتها.“الكرامة” هي الوحيدة في مواجهة الحكومة اليمينية الإسرائيلية الجديدة، التي تشكل التهديد الرئيس لأمننا الوطني. وإذا كانت إسرائيل فشلت في العام 1968 في تمرير مشروعها عسكرياً، فإنّها تسعى إلى ذلك اليوم سياسياً، من خلال أدوات متعددة، وضغوط سياسية واقتصادية ودولية.
ذلك يعني أنّ علينا أن نخوض “معركة الكرامة” اليوم بأدوات جديدة، في مقدمتها تلك السياسية والرمزية والمعنوية والإعلامية. وإذا كانت إسرائيل تدفع باتجاه الفوضى في الضفة الغربية، فإنّ على الأردن أن يسعى إلى دور “سياسي ناعم” هناك يجمع الأطراف المختلفة، ويوحّدها في مواجهة المخطط الإسرائيلي.
وفي دلالة الكرامة، أيضاً، أهمية الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية والتحام الأردنيين والفلسطينيين ضد هدف واحد وهو المشروع الصهيوني.
المعركة ليست في عمان. إنّما في القدس والخليل ورام الله ونابلس وبيت لحم. والجبهة الموحّدة وتأجيل الخلافات الجزئية ورص الصفوف شرط أساس لمواجهة اليوم التالي لفشل عملية السلام. ذلك الإدراك مهم جداً (اليوم) في مواجهة تنامي الهويات الفرعية في الداخل، التي تهدد النسيج الاجتماعي وتنذر بشرخ اجتماعي عميق، ما يدفع إلى تجديد روافع الثقافة الوطنية الجامعة وملء الفضاء بخطاب عقلاني واقعي، يجسّد صورة التلاحم التاريخي والمصالح المشتركة بدلاً من خطاب الاحتراب والفرقة والصدام، الذي يطغى في المشهد الإعلامي والسياسي.
ليس المطلوب خطابا تخديريا ممجوجا حول الوحدة الوطنية، بينما المياه تجري من تحت أقدامنا، إنّما عمل حقيقي لبناء توافق وطني صلب على شروط الوحدة وقيمها، وعلى ترسيم العلاقات الداخلية وبيننا وبين الأشقاء الفلسطينيين في مواجهة المخططات الإسرائيلية، على أن نعلي قيم المواطنة والوطنية والمصالح المشتركة على الأصوات النشاز التي تخاطب الغرائز السلبية.
الأردن كبير، والكرامة عنوان، والجيش والمخابرات والأمن هي أعمدة استقرار وحماية الوطن والدولة، هذه هي ملامح المرحلة المقبلة، وهي الوجه الحقيقي للأردن عندما يكون وجهاً لوجه أمام التهديدات والتحديات..

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد