ينقل حديث جلالة الملك لصحيفة وول ستريت (الأميركية المشهورة) الأزمة الدبلوماسية مع إسرائيل إلى مرحلة متقدمة، ويستبق زيارته إلى واشنطن بحديث صريح واضح عن الرؤية الأردنية للموقف المتدهور في الأراضي المحتلة، عبر إحدى أهم الصحف الأميركية.
في حديث الملك رسالة واضحة لإسرائيل وللرأي العام الأميركي، وهي تصدر عن زعيم عربي معروف باعتداله، وبذلك يكون الملك هو أوّل مسؤول عربي يدخل على خط الأزمة بين أميركا وإسرائيل، ويستثمر فيها لصالح الخطاب العربي، الذي يكاد يكون غائباً تماماً في الأوساط الإعلامية والسياسية الأميركية.
وبالعودة إلى مجمل المقابلات الملكية والخطابات الصادرة، خلال السنوات السابقة، نلحظ أنّ وتيرة التصعيد الأردنية ترتفع بصورة مطّردة تجاه إسرائيل، وتزداد حدّتها كلّما أمعنت الحكومة هناك في الاستيطان والتهويد وهضم فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة حقيقية.
وقد وصل الملك إلى موقف أكثر تحذيراً، عندما صرّح (في المقابلة الأخيرة) أن “الثقة السياسية بين الأردن وإسرائيل غير موجودة، كما أنه لا يوجد علاقة اقتصادية حقيقية بين الأردن وإسرائيل”، وهي رسالة تُفصح بوضوح عن المنحدر الكبير الذي وصلت إليه العلاقة بين الدولتين.
في السنوات الأولى، بعد توقيع معاهدة وادي عربة، حدثت فجوة واسعة بين الموقف الرسمي (هنا) والرأي العام الذي كان (وما يزال) منحازاً لموقف صلب من إسرائيل. بيد أنّ التأمل في الفترة الأخيرة يجعلنا نجد أنّ هذه الفجوة تكاد تختفي، وتتبدى الاختلافات حول تفاصيل بسيطة وجزئيات، مثل طرد السفير الإسرائيلي، وقطع العلاقات، وجدلية العلاقة مع كلّ من حركتي فتح وحماس.
بعيداً عن هذا السجال الداخلي، فإنّنا بحاجة إلى قراءة متمعِّنة أكثر في الخطابات الملكية الحادّة تجاه إسرائيل، بالتوازي مع الدبلوماسية الأردنية الهجومية ضد الحكومة اليمينية (هناك) في المحافل الدولية والغربية، بالتزامن مع تبدد أغلب أشكال العلاقة والتواصل بين البلدين، وانسداد أغلب القنوات السياسية، وتبدّي انعكاسات ذلك في الإعلام الإسرائيلي.
مثل تلك القراءة ستؤول بنا إلى نتيجة مهمة، وهي أنّنا أمام “حرب باردة” حقيقية بين الدولتين، وأكاد أجزم أنّ الموقف الملكي (في النشاط الدبلوماسي والمقابلات، والحوارات مع النخب السياسية الغربية) هو أخطر على إسرائيل وأشدّ إيذاءً بكثير من اللجوء إلى مجرد طرد السفير الإسرائيلي أو قطع العلاقات الدبلوماسية أو إلغاء معاهدة السلام.
في المقابل، ما يثير القلق هو أنّنا لا نسمع إلاّ صوت الأردن في المحافل الدولية، بينما تكاد تختفي الأصوات العربية الحليفة تماماً، وكأنّها غير معنية بصورة واضحة ومباشرة بما يحدث في فلسطين.
بالضرورة ليس المقصود الدول العربية التي قد تبتعد جغرافياً وسياسياً عن منطقة الصراع (بعض دول المغرب والخليج وغيرها)، بل حتى عن الحلفاء الاستراتيجيين لنا (مصر، السعودية والإمارات).
ففي حين يشتبك الأردن بقوة مع إسرائيل، نلحظ أنّ الموقف المصري يمتاز بالخجل، بل ولا تكاد بعض المؤشرات الصادرة من أعلى المستويات هناك تشي بأي تزاوج مع الموقف الأردني، بقدر ما تشير دلالات إلى اتجاه آخر، علاقات جيّدة رسمياً، وإلى شراكة (ما) في مواجهة حركة حماس!
في السياق نفسه، فإنّ انقطاع المساعدات الخليجية عن الأردن، وهو يتعرّض لأزمة مالية مرهقة ومكلفة سياسياً، بالتوازي مع ضغوط أميركية وعروض إسرائيلية لحل المشكلة الفلسطينية على حسابه، يطرح تساؤلات جدّية عن مدى إدراك الأصدقاء العرب لأهمية الدور الأردني من جهة، وفيما إذا كان الأردن يستند إلى جدار استنادي عربي صلب أم مهزوز!
طالما وصلنا إلى هذا التقاطع المفصلي في العلاقة مع إسرائيل، فإنّ على “مطبخ القرار” في عمّان الكتابة على صفحة مختلفة عن السابقات، وطرح أسئلة حيوية عن تصوراتنا لسيناريوهات المرحلة المقبلة وخياراتنا الاستراتيجية، وعلاقتنا بـ”الحلفاء العرب”، ومدى إمكانية الاستثمار في الدور التركي الجديد، وموقفنا من القوى الإقليمية الأخرى.
الأزمة المتصاعدة والمطّردة مع إسرائيل، التي ترتفع حدّتها حتى عن مراحل معينة فيما قبل “وادي عربة”، تقتضي، حتماً، التفكير في اليوم التالي!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد