الصورة الفوتوغرافية التي نشرتها النيوزويك بمناسبة وداع السناتور «تيدي» ، لها من الدلالات ما يتجاوز المناسبة ، فالعائلة ذات النفوذ التي انتهى أهم أفرادها نهايات مأساوية ، تذكر القارىء بتلك العائلة الآسيوية التي استخدم الورد الملغوم لقتل آخر الورثة.. وهي عائلة غاندي التي شهدت دراما آسيوية من طراز خاص ، فالابن راجيف الذي تولى الحكم بعد اغتيال أمه سرعان ما دفع الثمن لكن بتلك الطريقة شبه الأسطورية حيث انفجرت فيه باقة ورد ، والاغتيالات ليست دائماً عنيفة في الأدوات التي تستخدم للتنفيذ ، قد تكون ورداً أو حلوى مسمومة أو قبلة على الجبين تسمم الجسد ولا يتوصل الطب الى الحقيقة.. تماماً كما أن الانتحار قدر تعلقه بالساسة ليس دائماً بالمسدس أو بتفجير الذات ، فثمة من خبأوا أو خبأن السم الزعاف في الخواتم الأنيقة ، وتحت فصوص الماس.
عائلتان متباعدتان ، تاريخياً وجغرافياً وسياسياً ومن قارتين احداهما هي الأعرق في تاريخ هذا الكوكب والأخرى طارئة ، عائلة غاندي الهندية وعائلة كندي الأمريكية ، والقواسم المشتركة تتعلق بالمصائر أكثر من أي شيء آخر ، وما كان لكتاب أمريكيين من طراز بن برادلي وايقان توماس وجون لويس أن يكتبوا ما كتبوه في وداع السناتور كندي ، لولا ذلك المناخ التراجيدي الذي عاشته العائلة ، وكان لدى بعض مودعي السناتور ما يقولون أيضاً من سيرته الذاتية ، وبالتحديد دور النساء في حياته والقتل عن طريق الاغتيال لا يكفي وحده لصناعة دراما تاريخية ، لكن اغتيال جون كندي على ذلك النحو الغامض والذي لا يزال ملفاً مفتوحاً هو ما جعل الموت رواية بوليسية ، ذات حبكة يصعب تفكيكها ، وأضاف الى الرواية بعداً آخر ما فعلته أرملة الرئيس المقتول عندما تزوجت من الثري اليوناني اوناسيس الذي يقال بأنه كان يقدم لها كل صباح على مائدة الافطار هدية تليق بزهوه بزواجها أكثر مما تليق بعاشق..
وما حظي به آل كوبوني في السينما والمسلسلات التلفزيونية التي تزاوج بين الواقع والخيال لم تظفر به بعد عائلات كهذه التي أسرعت نحو الحافة ، وعانقت النهايات كما لو أنها قدر لا فرار منه.
لقد عرف التاريخ في آسيا وأوروبا وأخيراً في امريكا مثل هذه الروايات التي تتيح للمؤرخ أن يشغل خياله كي يضيف عنصر التشويق الى الحكاية ، فنهاية آل بوربون كتب عنها الكثير ، ومنه ما لا يقبل التصديق ، حتى أن هناك مؤرخاً قال بأن الفلاحين الفرنسيين لو لم يلقوا القبض على لويس الأخير لما كان تاريخ فرنسا على ما هو عليه الآن ،
تماماً كما كتب مؤرخ بريطاني يقول.. لو أن ونستون تشرتشل سحقته سيارة وهو في سن العاشرة أو لو أن كارل ماركس مات بالحصبة الالمانية لما كان التاريخ الحديث على ما هو عليه.. وبعيداً عن نظرية «لَوْ» في التاريخ لأنها تزجنا في متوالية من الفرضيات بلا طائل ، فإن عائلة آل بوربون كما وصفها الشاعر الفرنسي جاك برينير لم تكن موهوبة في الحساب ، لهذا لم تتقن العدّ حتى العشرين ، وهو يقصد ان لويس التاسع عشر هو آخر لويس في العائلة ، رغم أن هناك من الفرنسيين ممن يشعرون بحنين أقرب الى النوستالجيا لأزمنة خلت ، هللوا للرئيس جيسكار ديستان لأنه من تلك السلالة..
ان عائلتي كندي وغاندي تتيحان للمؤرخ والروائي والسينارست أن يمنح الحادثة التاريخية بعداً شعرياً.. أو ما يسميه بونفوا شعرية التاريخ ، فالمأساة عندما تتكرر في العائلة الواحدة تغري بمثل هذا التفسير
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور