بانتظار قرار شورى جبهة العمل الإسلامي اليوم، ومن المتوقع ألاّ يخرج عن توصية شورى الجماعة بمقاطعة الانتخابات النيابية، فإنّ الحركة الإسلامية تكون قد وقّّعت على قرار سياسي يرفع من درجة قلق الحكومة في تدنّي نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية، بخاصة في المدن الكبرى: عمان، الزرقاء، إربد.
الحكومة لم تقصّر في تقديم ضمانات والقيام بإجراءات فنية تبعث من خلالها برسالة واضحة بوجود "نوايا" صادقة لانتخابات نزيهة وشفافة، لكنها ما تزال تواجه عبء الغضب والشكوك الشعبية مما حدث في الانتخابات الماضية، ليس فقط بتوصية شورى الإخوان، بل بالمزاج الشعبي الذي ما يزال محبطا ومتشككا بأنّ الانتخابات ستكون نزيهة، كما عكست ذلك استطلاعات الرأي العام الأخيرة.
الجبهة التي تجاهلتها الأوساط الرسمية والحكومية، تكمن بالمناخ السياسي الذي يتحكّم بالمزاج العام، وقد كتبتُ قبل أيام محذرا من "صدمة" الإخوان أنفسهم بموقف قواعدهم الرافض بشدة للمشاركة، ما يعكس، بدوره، موقف دوائر اجتماعية أوسع لا يريد أحد من المسؤولين قراءته.
الضربة القاسية هي للأوساط الرسمية والحكومية في "الفشل الذريع" لقراءتها لما يحدث لدى الإخوان، إذ كانوا مطمئنين بصورة غريبة بأنّ القرار هو المشاركة، ويظهرون حالة من "اللامبالاة" غير المفهومة، بالرغم من المؤشرات الكبيرة في الاتجاه الآخر!
قرار المقاطعة هو جواب متوقع، لكنه غير سار، لسياسات الإقصاء والتحجيم والصدام، التي سادت خلال السنوات الأخيرة، ضد الحركة الإسلامية، والأخطر من ذلك التجاهل والاستخفاف بقوة الحركة وأهمية حضورها السياسي، وإغلاق أبواب الحوار السياسي بصورة كاملة أمام إعادة بناء العلاقة على أسس واقعية وعقلانية ووطنية، تخدم الجميع.
الجواب على تلك السياسات، يتجاوز قرار المقاطعة إلى انقلاب النخبة الوطنية العقلانية الهادئة التي قادت الجماعة في الانتخابات النيابية السابقة، فدفعت ذلك من رصيدها التنظيمي، إلى التحشيد والمحاججة ضد المشاركة، ودفع الجماعة إلى خيار المقاطعة، وبأغلبية ساحقة استثنائية في مجلس الشورى، وقبل ذلك لدى القواعد.
هذا القرار يقرع جرس الخطر لما يمكن أن تؤدي إليه أجواء الاحتقان والتشدد وانسداد الآفاق السياسية، ليس فقط على صعيد الحركة الإسلامية، بل الحركات الاحتجاجية الجديدة التي تتأسس على قاعدة اجتماعية أكثر حساسية وشراسة، وتتخذ صيغة المعارضة فيها طابعاً أفقيا ممتدا واقتصاديا قلقا وسياسيا شرسا.
التعديل الحكومي الأخير، يشي باستدراك على المسار السياسي الحالي، وبولادة قناعة جديدة بضرورة "إطفاء الحرائق"، واتخاذ خطوات نحو الانفتاح السياسي، وقد ترك قرار الشورى "الباب مواربا" لإمكانية المشاركة، وهي رسالة للحكومة بأن تخطو نحو الحركة خطوة، وتقدم رسالة "حسن نوايا"، بدلاً من الانزلاق مرة أخرى إلى التقليل من شأن القرار أو المبادرة بحملة إعلامية على الإخوان.
قبل أيام كنت أتحاور مع أحد قادة الإخوان وأقول له "لكن كلفة المقاطعة ستكون أكبر من عبء المشاركة"، فكان جوابه "هل تريد كلفة أكبر مما نحن فيه"!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد