لا نحتاج الى حاسوب ذكي لاحصاء عدد العرب مقابل الاسرائيليين ، فثمة خمسة ملايين مقابل ربع مليار ، بحيث تكون حصة الاسرائيلي الواحد خمسين عربياً من مختلف اللهجات والإعلام والأناشيد ولو كان هؤلاء الخمسون عصافير مقابل طائرة واحدة لحرروا السماء منها ، ولو كانوا أقزاماً لربطوا جلفر من خصلات شعره وأسروه..

تداعيات مريرة وكثيرة تخطر في البال ونحن نشهد هذه الكوميديا العربية السوداء ، بحيث أصبح الأسرى يخضعون أيضاً لما تخضع له العملات ، بين محلية وصعبة ، فالدم أيضاً له فصائل أخرى غير التي نعرفها وتحدّد في بطاقاتنا ، منه الأزرق والأخضر والأحمر والأبيض ، ودمنا العربي على ما يبدو له تسعيرة تقل عن قيمة الدينار العراقي والليرة اللبنانية أو حتى الايطالية والتركية.

عشرون فلسطينية وعربية مقابل شريط فقط يوضح بأن الأسير الاسرائيلي لدى حماس شاليط بخير.. إذن كم هو ثمن شاليط نفسه؟

تدمع أعيننا ونحن نرى شقيقاتنا يعدن من الأسر الى أبنائهن وذويهن ، ثم يتحول الدمع الى دم عندما نتذكر بأن من حررهن ليس معتصماً عربياً ، أو أيوبياً انحدر على جواده من تلك التلال المحتلة في شمال العراق.

ما حررهن هو شاليط.. وقد يأتي يوم يقايض فيه مليون عربي بما تبقى من أشلاء طيار اسرائيلي ، لأن المتوالية لا سبيل الى ايقافها وبلوع الهاوية السحيقة ، ما دام العربي قد أذعن وتأقلم مع الأمر الواقع ، وقرر أن يعيش قاعداً لا أن يموت واقفاً ، لأن فلسفة الزيتون والسنديان تبدلت بفقه اللبلاب ، الذي لا ينهض إلا اذا وجد حائطاً يسنده ، البعد الانساني لتحرير الأسرى يجعلنا أحياناً كمن ابتلع شفرة حلاقة ، فلا هو قادر على قول ما يريد ولا قادر على خنق القلب الذي يتناوب فيه النبّض بين فرح وحزن ، لكن للمسألة أبعاداً أخرى منها السياسي والوطني التاريخي واسرائيل التي أدمنت ما يسمى سايكولوجيا الانتصار تشكل لديها وهم بأنها من طينة أخرى ، وأن لدم جنودها ومستوطنيها تسعيرة بالعملة الصعبة لا بالشيكل.. لهذا أصبح ساق أو قدم لأحد جنودها يعادل عشرات أو مئات وربما ألوف العرب ، فما الذي صنعناه بأنفسنا وأية حياة هذه التي تدفعنا الى التشبث بها حتى على خازوق.

ذات يوم ، قد لا يجد المؤرخون القادمون أن قدموا ما يقولونه عن مقايضة شريط شاليط غير ما قاله ابن الأثير عن مئذنة الجماجم التي شيدها هولاكو في العراق أو ما قاله ابن إياس عن زمن قايضت فيه الأم طفلها بدجاجة.

نحن لا نملك ازاء تحرير أي أسير عربي إلا أن نبكي فرحاً وحزناً ، لكن الغضب يبقى خارج هذه المعادلة ، رغم أننا حصدنا عناقيده في قانا مثلما حصدونا في جنين وكفر قاسم وغزة.. فما الذي تقوله الحواسيب الغبية الآن عن هذه اللعنة الديمغرافية ، وهذا الفائض الناقص ، وهذه الزنازين التي أصبحت بسعة قارات..؟

ان الشريط يساوي عشرين فلسطينياً أما شاليط فقد يعادل في هذه البورصة شعباً بأسره وأسراه.. وشر البلية لم يعد يضحك أو يُبكي.. انه يدفعنا الى تحسس رؤوسنا وما تبقى من أنوفنا المجدوعة،،


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور