ثمة سياسات ومواقف وقرارات كثيرة لدينا يعسر هضمها وفهمها، تبدأ من الوزراء إلى الدرجات الدنيا من المسؤولية الوظيفية، مروراً بالأزمات السياسية المجّانية التي تخبّطنا فيها وما نزال، بلا أي مبرر مقنع.
على أيّ حال لا يقف الأمر عند المستوى السياسي، إذ تجده في مساحة واسعة من السياسات والقرارات الرسمية، وفي صحف أمس وحدها قضيتان تمثِّلان نموذجاً سافراً على "عسر الهضم".
القضية الأولى، تتعلّق بمنع كلّ من المهندس ليث شبيلات والنقابي ميسرة ملص من زيارة أحمد الدقامسة في سجنه البعيد في الموقّر، برغم حصولهما على إذن زيارة مسبق.
بعيداً عن المواقف السياسية، فإنّ ما يحدث مع الدقامسة يمثِّل انتهاكاً غير مبرر لحقوق الإنسان، وتمادياً من إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل في معاقبة الرجل، بلا أيّ قرار سياسي، فقط هو تبرّع أو نوع من المناكفة المجّانية، لقضية عنوانها "انتهاك حقوق الإنسان"!
الجانب السياسي كان يجدر أن يبرز بصورة معاكسة تماماً تتمثّل بوجود درجة معينة من التعامل معه، تتناسب مع طبيعة تهمته السياسية.
وفقاً لرواية شقيقه، فإنّ الزيارة الأخيرة للدقامسة أُحضر وهو على كرسي متحرك من المرض والإرهاق وسوء الحالة الصحية، فضلاً عن معاناة الأهل والأبناء الصغار لرؤية والدهم بعد قطع هذه المسافات البعيدة.
وما نأمله من مدير الأمن العام أن يلبي المطالب الإنسانية المحضة للدقامسة بإعادته إلى مركز إصلاح وتأهيل قفقفا، بالقرب من ذويه، والسماح بمعالجته من خلال الأطباء المتخصصين، وبمعاملته بصورة إنسانية تحترم الحدّ الأدنى من حقوقه في هذا المجال.
أمّا القضية الثانية، فتتمثّل بالتقارير الإعلامية التي سبق وأن كتبت عنها "الغد" وصحف زميلة أخرى تؤكّد أنّ مقامات شهداء معركة مؤتة قد أصبحت مكبّاً للنفايات وتعاني من الإهمال الشديد، ما يثير استغراب حتى السيّاح العرب، ولا يليق بمكانة الصحابة لدى المسلمين جميعاً.
ما يعسر هضمه أنّ التقارير الإعلامية تتحدث عن الموضوع منذ عامين، وقد كتب عنه الزميل سميح المعايطة، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، عندما كان كاتباً في "الغد"، وبدلاً من المسارعة من وزارة السياحة إلى إنقاذ المقامات، فإنّ الأمور فيها تزداد سوءاً وإهمالاً!
وما يعسر هضمه، أيضاً، أنّ السياحة موردٌ حيوي لنا، ولها مؤسسات رسمية للترويج بالإضافة إلى الوزارة، وعلى الرغم من أنّ أغلب المسؤولين يتحدثون عن أهمية هذا القطاع الحيوي، فإنّ موقعاً تاريخياً رمزياً، مثل مقامات الشهداء يعاني من الإهمال الشديد، كغيره من المواقع التي يتحدث سياح عرب وأجانب عن الإهمال واللامبالاة الرسمية تجاهها!
هذه الأمثلة تعكس خللاً بنيوياً في الإدارة العامة وعدم وضوح للأسس والتقاليد التي تحكمها، وخضوعها للأمزجة الشخصية وغياب مبادئ المساءلة والرقابة الحقيقية.
يمكن لأي واحد فينا أن يستدرج الآن عشرات الأمثلة من السياسات والقرارات التي يعسر هضمها وشرحها، أليس كذلك؟!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد