اذا كان عشر الزجاجة هو الممتلئ سواء بالماء او بالدم او بالدمع وتسعة اعشارها فارغة فالعرب بالف خير ، ودليلنا الى هذا العشر المعافى هو ما ينتجه العرب الان فكريا ووجدانيا في مختلف المجالات ، وفي المواسم الانفعالية التي تنوب فيها الغرائز عن العقول قد نجد فضائيتين من عشرين فضائية تحاولان التشبث بالوعي ، وقد نعثر على مقالتين من عشرين مقالة في صحفْ يوشك عدد كتابها ان يتجاوز عدد قرائها لا يجرفها التيار ، وينطبق هذا بقدر او باخر على كل وسائل التعبير ، سواء كانت مرئية او مسموعة او مشمومة،
هذا العشر في حال ضمانة استمراره رغم التفشي الوبائي للتفكير الانفعالي وحفلات الغرائز هو اللقاح وهو خلايا المناعة ، فما من منجم كله ذهب او ماس وما من خلية نحل كلها عسل.
لكن ما نخشاه هو ان يتحول هذا العشر المعافى الى كسور عشرية ، بحيث يتمدد الوباء ، ويفقد الناجون من هذه الولائم المأتمية مناعتهم ، لان العدوى لا تؤتمن لان هناك شياطين اعلام وسياسة يوسوسون على مدار الساعة ، وهناك ايضا متعهدون لقلب الحقائق والبرهنة على الشيء ونقيضه في اقل من يوم واحد.. وليست البنادق وحدها هي المدفوعة الاجر ، فالاقلام والالسنة ايضا لها اثمان واجور ، وما نعنيه بالعشر المعافى ليس النخب ، فهي في معظمها ترتهن ولاء ورأيا ، لانها ليست متجانسة ، وبأبسط التعريفات لها كما يقول غراشي فانها ادوات للتعبير عن الطبقات والفئات التي تنتسب اليها ، هذا العشر الاخضر المعافى مبثوث في النسيج كله ، قد يكون منه بل في مقدمته امهات طيبات رغم كونهن اميات ، وقد يتضمن اناسا عاديين لكنهم اشبه بالحرة التي تجوع ولا تأكل بثدييها.
والنذير الحقيقي بكارثة قومية لا سبيل الى استدراكها او النجاة من طوفانها هو ما يسمى فساد الملح ، اي فساد النخب التي انيط بها التنوير ومحاربة التزوير ، فان حدث هذا فعلينا جميعا السلام، ان ما لدى اي مراقب كي يقوله في يوم عالمي مكرس للفساد هو اضعاف ما نتخيل لان ضحايا الفساد في الاقتصاد والصحة والثقافة والغذاء وحتى الهوية الموظفة طائفيا اكثر من ضحايا الاوبئة والحروب والسير لان الفساد اخطبوطي ، وحين يتاح له ان ينتشر فهو لا يعرف الحدود ، لانه عابر لها وللطبقات ولاسوار البلدان وجدران البيوت..
التعويل اذن هو على هذا العشر المحاصر بتسعة اعشار ، هي حصيلة التحالف الشيطاني بين الذرائعي والانتهازي والوصولي والفهلوي ، وتاجر المخدرات وتاجر السلاح ومهرب الدم في السوق السوداء،
وعلينا ان نعترف بان هذا العشر الباقي على قيد ضميره وعافيته الوطنية يعاني من الوحشة والاحزان ، وقد يضطر احيانا الى ان يكلم نفسه ، بحيث يبدو في نظر الاخرين كالمجنون ، رغم ان العكس هو الصحيح ، فهذا العشر هو العاقل الذي قرر تفضيل الموت على الشرب من نهر الجنون الذي لا يزال منذ منبعه الاول يبحث عن مصّب في هذه الارض،،
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور