ما من تسمية لاحتلال ايران بئر نفط عراقية سوى احتلال المحتل ، ولو شئنا الدقة اكثر فهو استحلال المحتلّ، وما يقال عن ان ايران رفعت علمها على تلك المنطقة يثير في الذاكرة رغم كل ما اصيبت به من زهايمر سياسي تداعيات لا حصر لها ، بدءا من احتلال الجزر الاماراتية الثلاث.. وانتهاء بحرب الثمانينات بين العراق وايران.
وقد يتذكر البعض ما سمي ذات يوم نظرية الاحتواء المزدوج ، او العزف الامريكي على الاوكروديون وهو عزف على الخاصرتين معا ، وغالبا ما يقصد بهذا المصطلح ابتزاز طرفين باداة واحدة او باسلوب واحد،
قد يرى من فضوا ايديهم من العرب وما يجري في العراق وفلسطين ان سلخ الشاة لا يهمها بعد الذبح ، وان المحتل عندما يعاد احتلاله سيبقى محتلا فقط ولا شيء اخر.. لكن هذه التصورات عدمية ، ولا صلة لها من قريب او بعيد بالتاريخ وحقوق البشر ويجدر بمن يتداولون مثل هذه الاطروحة العمياء ان يصمتوا فلم يعد متوقعا منهم حتى الاسعاد بالنطق بعد ان اتضح بانهم لا يملكون الخيل والمال.. واذا كان العراق سيعاني من احتلال مزدوج كبديل لمرحلة ما سمي الاحتواء المزدوج.
فان معنى ذلك ان الجراحة الغليظة التي أجرتها الولايات المتحدة لعزل العراق عن سياقه التاريخي والقومي قد نجحت ، لكن على طريقة عجيبة هي ما يسمى نجاح العملية وموت المرض.. ما كان لاي خيال مهما جمع ان يتصور بان العراق سيصبح كعكة رخوة تتوغل فيها السكاكين بحرية ، او ان يصبح مسألة شرقية بطبعة عربية ملقحة وليست منقحة بكل هذا الخذلان والتخلي ، والاستقالة من التاريخ لصالح ما هو ادنى. ولو تعامل العرب مع العراق باسلوب اخر غير هذا الاسلوب اللامبالي والذي يدعي الحياد لما انتهت الدراما العراقية الى هذه النهاية غير السعيدة على الاطلاق ، والتي سيعم حصاد شقائها على الاخوة الاعداء.
حتى لو اداروا ظهورهم للعراق وتركوه نهبا لعدة احتلالات ، وليس مهما ان يقال الان بان العرب اضاعوا العراق واي فتى اضاعوا عندما انسحبوا لصالح التدويل فما مضى قد مضى ، لكن ما تبقى هو اختبار نهائي لمنسوب الامن القومي ومفهوم الامة لدى عرب اعادتهم الخصخصة السياسية الى غساسنة ومناذرة ، واصبحوا متفرجين على مصير يصاغ لهم تحت المطرقة ، فهم الان يحترفون صفة المفعول به ، ويحولونها الى حرفة ، وما قدمته الامثولة العراقية لعرب هذا القرن هو البحث عن سبل للنجاح من المصير ذاته.
لهذا تاب منهم من تاب واعتذر من اعتذر وانحنى اخرون بحجة انتظار مرور العاصفة لكن الحقيقة ان الانحناءات كلها كانت ولا تزال بسبب نسمة هواء عابرة،
الاحتلال المزدوج يتطلب منطقيا تحريرا مزدوجا ، فعلى اي جانبيه او خاصرتيه يميل العراق ، وهل كل ما نزفه حتى الان من دم وثروات ودموع لا يكفي ، بحيث يعاد احتلال المحتل من ارضه ، واذا كان العرب قد رسبوا بعدة امتيازات في اختبار مناعتهم القومية لحظة سقوط بغداد فانهم الان يضيفون الى ذلك الرسوب صفرا آخر،
خيري منصور
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور