نجت اليابان التي تلقحت بهيروشيما وناجازاكي ضد وباء الزهايمر السياسي من السقوط في الفخ الصهيوني ، لهذا احتفلت طوكيو على طريقتها ذكرى الحرب على غزة ، وارتدت بعض اليابانيات الثوب الفلسطيني المطرز ، وقال ياباني بعربية لا تشوبها اية رطانة: انا ياباني من غزة..

حدث ذلك مرارا ، ورأى العرب ان هناك من هم اكثر منهم تأثرا بالجراح رغم ان هذه الجراح تنزف من الخواصر العربية ، وقد اختلط الامر على الناس.. هل هو دم او حبر احمر ، ام بطيخ سحقته الاقدام،

العالم لا يزال يتذكر لهذا فهو الذي يتولى تذكيرنا بمصائبنا التي امتلكنا قدرة نادرة على تناسيها وكأن الامر لا يخصنا،

والاغرب من ذلك ان العالم غير العربي هو الذي يشكل لجان التقصي والادانة ثم ترتطم تقاريره النبيلة بمعوقات عربية منها ما يسعى بحسن نية او سوء قصد الى تبرئة القتلة ، ومنها من لا يريدان يوجع رأسه بهذا الصراع الذي تحول الى صداع مزمن،

عليك اذن ان تتذكر اطفال غزة المذبوحين من الوريد الى الوليد اذا كنت في طوكيو او لندن فانت كعربي لديك ما يشغلك عن كل شيء حتى لو كان هذا الشيء هو موتك المحتم.

وحين نأخذ الامر على محمل الجد ونتساءل ما الذي يشغل العرب عن دمائهم ، ومقدساتهم المستباحة وكبريائهم الوطني المنتهك لا نجد من اجابات سوى كرة جلدية. بحجم الرأس او سوق سوداء تعرض على ارصفتها نياشين واوسمة وبقايا اطلال لقلاع تحولت الى فنادق او معارض للسيارات،

اليابانيون يذكروننا بنا ، وبدمنا ، مثلما فعل ذلك من قبل ايطاليون وبريطانيون وفرنسيون والمان ، وقد اصبح من استعمرونا قررنا ارحم منا بانفسنا ، على الاقل تلك النخب الحية منهم والتي لم تفقد الخجل بعد ، فمن يرفقون بالحيوان وينادون بالتكنولوجيا الخضراء ويدافعون عن حق الشعب في الحياة لا يفوتهم ان يضيفوا الى قائمة الضحايا عربا من هنا او هناك ، سحقتهم الدبابات ودمرت بيوتهم الجرافات واصبح حائطهم هو الاوطأ من كل الحيطان.. وحين يقول ياباني بانه ياباني من غزة ، فهو يذكرنا بما قاله الفرنسي «جلفلك» عام الاجتياح ، عندما قال بانه سيرى العالم افضل من خلال شرارة تندلع من حجر بيد طفل ، او ما قاله يانيس ريتوس اليوناني ، وهو انه سينادي السيدة الجريحة التي تتوكأ على عكازين وهي تمشي على ساحل المتوسط.. يا امي ، حتى لو تنكر لها الابناء ، تلك الام هي بالنسبة للشاعر الاغريقي فلسطين التي كانت ذات عروبة بسعة العالم ، ثم ضاقت لتصبح قطاعا محاصرا ومقاطعة اسيرة،

انه لشعور مزدوج بالاسى والخذلان يصيبنا بقشعريرة تبلغ النخاع ونحن نسمع ما نسمع ، ونشاهد ما نشاهد ، فهل اعتربنا حتى مصائرنا الى هذا الحدّ؟ وهل اصبحت بعض شعوب العالم عربية اكثر من العرب؟


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور