لم يرد اسم هذه العقدة في معجم فرويد النفسي والبعض رأوا في حكاية جلفر وبلاد الاقزام مجرد قصة للتسلية شأن آلاف القصص ذات المغزى البعيد ، ولو عوملت قصة اندرسون الشهيرة عن الامبراطور العاري وهي كتبت للاطفال على انها مجرد تنويمة لضاع هدفها ولو قرئت حكايات الحيوان كما ترى في كليلة ودمنة على انها طرائف لتزجية الوقت لما انتهى مؤلف هذه الحكايات الى ان يحرق حيا ثم يدار كالخروف حول لهب النيران.

حكاية جلفر انه ليس ماردا او عملاقا بل من الاقزام ، لهذا ينتصرون عليه لسب واحد هو ضألة حجومهم ، فقد استطاعوا ربط خصلات شعره الى اوتاد بحيث اذا تحرك احس بألم لا يطاق ، انها حكاية من سلالة ما كتبه ويلز عن الاعور في بلاد العميان ، فالامور نسبية ، وقد يكون قزم في مكان ما عملاقا في مكان اخر..

وليس من هدفنا في هذا المقام اجراء مقارنات بين حكايات ذات مغزى عميق وقابلة للتأويل بقدر ما هو تذكير الناس بان فترات الانحسار والانحطاط تفرغ الانسان من حيويته وبالتالي من اشواقه لتجاوز الشروط التي تحاصره.. فبدلا من ان يخوض معاركه سواء كانت ثقافية او سياسية او مهنية مع قامات عالية يفضل العكس من اجل تحقيق انتصارات سريعة ووهمية والأم التي نصحت ابنها بان يلعب مع الاسود حتى لو اكلته كانت تنتمي الى حقبة حضارية راعنة بالعنفوان ، فاللعب مع الفئران او حتى القطط خسارة بامتياز ، وتبعا لما يقوله فلاسفة الحضارات والمؤرخون فان ربيع الامم يشهد اقبالا شديدا على المغامرة واجتراح الافاق وبالتالي البحث عن انداد لمنافستهم ، بعكس خريفها الذي يحول الناس الى كائنات تكتفي بحياة الضرورة والحد الادنى من كل شيء بحيث يصبح الانتصار على صرصار او فأر مناسبة باذخة للولائم ، وغالبا ما يضرب المؤرخون مثلا بالحضارة الرومانية وهي في طور الاحتضار ، عندما فقد الناس الهدف وتفشت العدمية على نحو وبائي وشحّ الزرع والضرع مثلما شح المبدعون والمصلحون والفلاسفة.

ما جدوى ان يكون الانسان عملاقا او ماردا بالمقارنة مع قزم؟ وما الذي يحققه القبيح اذا عثر على من هو اشد قبحا لكي يزهو بجماله عليه..

كانت الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار تقول بأن للحمقى معجبين بهم ، وهم الاشد حمقا منهم وعندما تحل المراذلة مكان المفاضلة فان العدّ يصبح عكسيا، وحين يتحدث الناس في ايامنا عن عقد الستينيات من القرن الماضي وهو عقد فريد فالامر يتجاوز الحنين والنوستالجيا ، لان ذلك العقد شهد تنافسا شديدا بين انداد في مخلتف المجالات ، ومن كان ينتصر في معركة ما كان يستحق الاحتفال والتصفيق لان الخصوم لم يكونوا اقزاما والمنتصر لم يكن جلفر او سواه.

ومن اصيبوا بعقدة جلفر ، بددوا اعمارهم في البحث عما هو ادنى واقصر في كل شيء فكانت انتصاراتهم صغيرة ولا تستحق ورقة واحدة من الغار.

وما نلاحظه في ايامنا هو تهرب اصحاب المهن والاختصاص من مواجهة انداد او اناس ذوي باع ، لهذا فالمتوالية معكوسة وعقارب الساعة تدور الى الوراء بانتظام،،


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور