على الرغم من انتهاء مهرجان الانتخابات المصرية وظهور النتيجة المحسومة سلفا، إلا أنّ الجدل السياسي والإعلامي في مصر المعمورة والعديد من الدول العربية لا يزال في ذروته في قراءة هذه الانتخابات وتقييمها. ويدور الجدل في جوهره حول تساؤل رئيسي: فيما إذا كانت الانتخابات خطوة إلى الأمام في الطريق الصحيح نحو الديمقراطية والحريات والانفتاح السياسي الحقيقي، أم أنها خطوة إلى الوراء وإجهاض للحركة المدنية المعارِضة الصاعدة التي شهدتها مصر في الشهور الأخيرة؟
لا تكفي نتائج هذه الانتخابات للإجابة عن التساؤل السابق، فالأمر يرتبط بقدرة حركات المجتمع المصري، وفي صلبها حركة كفاية، على استثمار هذه الانتخابات ووضعها في رصيد مشروعها وإنجازاتها السابقة وتوظيفها كخطوة من خطوات تنازل النخبة الحاكمة أمام دعوات المجتمع المدني وضغوطه باتجاه الإصلاح والتغيير.
في هذا السياق تبدو أهمية هذه الانتخابات من خلال جوانب رئيسة، أبرزها كسر شوكة الثقافة الشعبية السلطوية التي تمجد السلطة وتعتبر أن معارضتها والخروج عليها بمثابة الفتنة والمروق الوطني. فالشعب قد رأى بأم عينه على أرض الواقع كيف أن الحركة المدنية التي يقودها شباب ومثقفون ونشطاء تمكنت دون وجود قوة عسكرية تسندها من إحراج الحزب الحاكم ودفعت به إلى إجراء تعديلات دستورية، وإن كانت غير كافية، وجعلت من الرئيس ينزل إلى الشارع ويخطب وده ويقدم له الوعود بتحسين شروط الحياة الاقتصادية والسياسية وهي ظاهرة جديدة تماما على المجتمع المصري. فهذه الصورة تظهر للشارع المصري إلى أي مدى يمكن أن تصل حركة مدنية سلمية في مطالبها، بما ينزع حالة الخوف من ممارسة المعارضة والاندماج في الحركة المدنية الحالية، وهذا بحد ذاته شرط ثقافي وسياسي رئيس للمضي قدما في عملية الإصلاح والتغيير.
من جانب آخر فإن الحركة المدنية، التي كانت أحد الأسباب التي أدت إلى الانتخابات الحالية، وظفت التعبئة الشعبية وضغوط الشارع باتجاه "الداخل" ومطالب سياسية معقولة وواقعية تدفع إلى خروج الناس من حلقة الاستبداد والفساد السياسي القائم. فأغلب الصِدام السابق بين السلطة والمعارضة العربية كان حول قضايا خارجية مرتبطة بالمشاعر العامة خاصة ما يتعلق بالعلاقة مع أميركا وإسرائيل، أو صراع على السلطة بين التيارات الفكرية والسياسية القائمة في العالم العربي. وقليلا ما كان يتم تعبئة الشارع من خلال مؤسسات وحركات مدنية ناضجة تجاه القضايا الداخلية كالإصلاح والديمقراطية ومكافحة الفساد، الأمر الذي يمهد أن تقوى وتنمو حركات مدنية وشعبية عربية مشابهة لحركة كفاية المصرية تقود الشارع العربي باتجاه حقوقه السياسية من ناحية، وإلى الواقعية السياسية من ناحية أخرى.
أمّا الجانب الأبرز والأهم في هذه الانتخابات أنها بمثابة مرحلة سياسية انتقالية تأتي في سياق حركة مدنية تصاعدية تخاطب الشارع وتدفعه إلى التغيير. هذه الحركة نابعة من الشارع ومن الشباب ومن مؤسسات المجتمع المدني لا تستند على الخارج الذي يبدو من الواضح أنه تراجع عن ضغوطه، ليبقى الشارع وحده في مواجهة السلطة وهو ما يعني أنّ نجاح الشارع المصري في المرحلة القادمة هو نجاح وطني صاف لا يوجد تشكيك أو مزاودة عليه.
يرتبط بما سبق أن الحركة المعارِضة الحالية قد تجاوزت أحزاب المعارضة التقليدية وخطابها البائس الممل، لتشتبك مع الشارع وتحفزه بلغة متميزة وخطاب ذكي يظهر من خلال الصحف الجديدة كصحيفة الدستور والمصري اليوم والغد والمصريون الالكترونية. ويبرز كذلك من خلال الشعارات المرفوعة في المظاهرات والتي تضع الناس أمام استحقاق المطالبة بحقوقهم والخروج من الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية.
لكن يبقى التحدي الحقيقي أمام هذه الحركة هو في إيجاد الخيط الناظم وتوحيد المجتمع وراء أهداف سياسية واضحة محددة بعيدا عن المصالح الحزبية والجهوية. فالحركة تضم اليوم آلاف طلاب الجامعات والاف المحامين ومئات أساتذة الجامعات ومئات القضاة ومؤسسات المجتمع المدني من منظمات حقوق الإنسان وصحافيين وكتاب ومثقفين، وشخصيات سياسية وطنية بارزة، وهؤلاء مدعوون جميعا إلى تشكيل جبهة موحدة تقود الشارع نحو التغيير في حركة متعانقة مع بناء ثقافة التغيير والإصلاح وهي السند الحقيقي لأي مشروع إصلاح سياسي ووطني في العالم العربي.
القوى ومؤسسات المجتمع المدني المصري هي من يملك اليوم جعل الانتخابات خطوة إلى الأمام أو على النقيض من ذلك نهاية لربيع المعارضة المصرية الذي توقع كثيرون نهايته في ايلول بعد الانتخابات! لكن من رصَد هذه الحركة منذ بدايتها يترسخ لديه شعور بأنّ هذه الحركة تمضي في خط متصاعد إلى الأمام.
m.aburumman@alghad.jo
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد