تعريف التربية السياسية :
التربية السياسية هي إعداد الفرد المسلم ليكون مواطناً صالحاً في المجتمع المسلم ، يعرف واجباته فيؤديها من تلقاء نفسه ، طمعاً في ثواب الله عز وجل ، قبل المطالبة بحقوقه ، كما يعرف حقوقه فيسعى إلى اكتسابها بالطرق المشروعة ([1]).
والتربية السياسية جزء أساس من التربية الإسلامية ، لأن التربية الإسلامية تربية شاملة للفرد والمجتمع ، وهذه التربية السياسية واجب اليوم ؛ من أجل إعداد اللبنات المسلمة الصالحة لتكوين المجتمع المسلم ، وهي ركن أساس من أركان التربية الإسلامية لأن التربية الإسلامية تشمل التربية الروحية ، والتربية العقلية ، والتربية الجسدية ، والتربية الوجدانية ، والتربية الاجتماعية ( ومنها التربية السياسية ) ، والتربية العسكرية ، والتربية الاقتصادية ...إلخ ، فالإسلام دين للفرد وللمجتمع ، ولايقوم مجتمع مسلم بدون سياسة مسلمة ، فالتربية السياسية ( تعد المواطنين لممارسة الشئون العامة في ميدان الحياة ، عن طريق الوعي والمشاركة ، وعن طريق إعدادهم لتحمل المسؤولية ، وتمكينهم من القيام بواجباتهم، والتمسك بحقوقهم ، وتبدأ التربية السياسـية في مرحلة مبكرة من العمر ، وتستمر خلال سـنوات العمر كله)([2]) .
وسوف نتتبع التربية السياسية في السيرة النبويـة ، وسيرة الرسول r هي التطبيق العملي لكتاب الله عزوجل ، ومن السيرة نستبط الفهم الإسلامي الجماعي الصحيح لديننا ، ونحن نتهيأ لإقامــة المجتمع المســلم الذي طال انتظارنا لـه . ومن معاني التربية السياسية في السيرة النبوية الهجرة ...
تعريف الهجـرة :
جاء في لسان العرب لابن منظور ، وتاج العروس للزبيدي مادة (هجر) الهجرضد الوصل هجره يهجره هجراً ، وهجراناً صرمه ، وهما يهتجران ، و يتهاجران والاسم الهجرة وفي الحديث ( لا هجرة بعد ثلاث )[1] .
وأما تعريفها في الشرع ، أو الاصطلاح :
فباختصار شديد : هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام . كما قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن وقال ابن قدامة في المغني : هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام . وقال الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله - في الدرر السنية - هي : الانتقال من مواضع الشرك والمعاصي إلى بلد الإسلام والطاعة .
الهجــرة إلى المدينــة :
بعد بيعة العقبة الثانية (بدأ المسلمون ينتقلون حسب أوامر رسول الله r إلى يثـرب لحاقاً بإخوانهم المسلمين (الأنصار ) ، وفراراً بدينهم ، وكان أول من هاجر من مكـة إلى يثرب أبو سـلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ابن عمـة رسول الله r ، وقد هاجر قبل بيعة العقبة الثانية بعام ، إذ اشتد أذى قريش عليه بعد أن رجع من الحبشـة ، وعلم بانتشـار الإسلام في يثرب فانتقل إليها ، وكانت معه زوجته أم سلمة ، وولده سـلمة ، ولكن أهلها غلبوه عليها ومنعوها من الهجرة معـه ، ثم لحقت به بعد عام([3]). فقد هاجر أبو سلمة مخلفاً زوجته وابنـه حفاظاً على دينـه .
ولما أراد صهيب الهجرة ، قال له كفار قريش : أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا ، وبلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ، والله لايكون ذلك ، فقال لهم صهيب : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي !؟ قالوا : نعم ، قال : فإني جعلت لكم مالي . فبلغ ذلك رسول الله r فقال : ربح صهيب ربح صهيب .
يقول محمود شاكر (2/151 ) : ( ونلاحظ أنه بهجرة رسول الله r إلى المدينة التي غدت دارًا للإسلام وجــب على كل مسـلم أن يهاجر إلى دار الإسلام ، إذ تجب الهجرة إلى البلاد التي يستطيع المسلم أن يؤدي فيها شعائر دينـه إذا كان في موطنه لايستطيع ذلك ، كما تجب الهجرة إذا اقتضت الظروف لتجميع المسلمين والإفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم المادية والمعنوية والعسكرية ، أما إذا كان يستطيع المسلم تأدية شعائر دينـه والدعوة إلى عقيدته فمن الأفضل أن يبقى حيث هـو ليقوم بدوره في تبليغ الإسلام والعمل في سبيل الله .
ودار الحرب يقتضي وجودها وجود دار للإسلام ، فقبل هجرة رسول لله r لم تكن هناك دار إسلام وبمقتضى الحال لاتوجد دار للحرب ، فلم تكن مكـة داراً للحرب، وعندما بدأ الإسلام يطبق في المدينة أصبحت مكـة دار حـرب ، وكانت الهجرة واجبة على المسلمين منها ، حتى إذا فتحت مكـة أصبحت داراً للإسلام ، ولم تعد الهجرة واجبة منها ، لذلك قال رسول الله r [ لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيـة ] ـ متفق عليه عن عائشة t ـ .
ودار الإسلام هي الدار التي يطبق فيها شـرع الله عزوجل ، ولو لم يكن أكثر أهلها من المسلمين ، ودار الحرب هي البلاد التي لايطبق فيها شـرع الله ولو كان سكانها جميعهم من المسلمين . وعلى هذا فإن الزمن الذي لاتوجد فيه دار للإسلام يطبق فيه شـرع الله لاتوجد فيه دار للحرب ، وعلى كل مسلم أن يعمل للإسلام ويدعو لـه ويجاهد في سبيل الله ، وفي أيـة بقعـة لايتمكن مسلموها من إقامة شعائر دينهم فعليهم أن يهاجروا ــ كما هاجر الصحابة إلى الحبشة ــ ) .
قال تعالى يصف المهاجرين : ] للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله ، أولئك هم الصادقون [ ـ الحشر 8 ــ وفي عصرنا الحاضر اضطر بعض المسلمين في بعض البلدان إلى الهجرة منها بعد أن خافوا على دينهم ودمائهم وأعراضهم ، وتركوا عقاراتهم وأموالهم غير المنقولـة هناك ، ثم أصدرت الحكومة أمراً يمنع التعامل بالوكالات الخارجية ليمنعوهم من بيعها أو التصرف فيها ، مبالغة في إيذائهم والتنكيل بهم ، ولاذنب لهم إلا أن قالوا ربـنا الله ولارب لنا سـواه ،ولن نرضى بغير الإسلام ديناً ، ولن نخضع لغير شـريعة الله عزوجل . نسأل الله عزوجل أن يجعلهم من المهاجرين في سبيله ، وأن يثبتهم على هجرتهم ، وأن يتقبلها منهم ويجعلهم من الصادقين الذين نصروا الله ورسوله ، وأن يمكنهم من طاعة الله ورسوله في بلدهم فيعودوا آمنين مطمئنين على دينهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم ، والله على كل شيء قدير .
أحكـام الهجـرة :
يقول الشيخ سعيد حوى في الأساس في السنة (1/ 330) : ( ليست الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام واجبة على كل حال ، وإن اشتهر من مذهب الحنفية ذلك كما اشتهر في مذهبهم وجوب الهجرة من دار البدعة إلى دار الســنة ، فالأمر فيـه تفصيـل :
1 ـ فإذا كنت في دار كفـر لكنك حـر آمـن تستطيع أن تعبد الله وتدعـو إليه ولاتخشـى على نفسـك وأهلك وذريتك الفتنـة ، ولم يطلب منك أمير المؤمنين الشـرعي الهجـرة إلى دار الإسلام ، فمقامك حيث أنت أجود وأطيب وأكثر أجراً ، بل اعتبر الشـافعية أنـه يندب لك البقـاء لأنه ببقائك يصبح جزء من دار الكفر دار إسلام .
2 ـ أما حيث يخاف المسلم الفتنـة على نفسـه وأهلـه أو ذريتـه فعندئذ تجب عليه الهجرة إن كان قادراً عليها ، ووجدت الجهـة التي تستقبله ولايخشى فيها الفتنة على نفسـه وأهلـه وذريته ، وفي عصرنا تـجد الأمر في غاية التعقيد ، فليس الخروج من بلـد إلى بلـد سـهلاً ، واحتمال الفتنـة قائـم في كثير من البلدان ، ولذلك فإنني أرى أن حكم الهجرة الآن منوط بالفتوى البصيرة من أهلها ، ولاينبغي أن يكون هناك تسـرع فيـه . قال ابن حجر في الفتح بمناسبة تعليل عائشة t للهجرة بقولها الذي ورد في صحيح البخاري : [كان المؤمنون يفـر أحـدهم بدينـه ... إلخ] أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنـة ، والحكم يدور مع علتـه ، ومن ثم قال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام ، فالإقـامة فيها أفضل من الرحلـة منه لمـا يترجى من دخول غيره في الإسلام . وقال الخطابي : كانت الهجرة أي إلى النبي r في أول الإسلام مطلوبة ، ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة للقتال معـه وتعلم شرائع الدين ، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى ] والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا [ ـ الأنفال 72ـ فلما فتحت مكـة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب . وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ [انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول اللهr ولاتنقطع الهجرة ما قوتل الكفار ] أي مادام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينـه .
ولنقرأ قول الله تعالى ] إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً ، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلاً [ ـ النساء : 97، 98ـ
وفي التفسير ) التوفي قبض الروح ، والمراد بالملائكة ملك الموت وأعوانه ، وظلمهم أنفسهم بمخالطة الكافرين ، وتركهم الهجرة المفروضة ، ] قالوا فيم كنتم [ أي قال الملائكة للمتوفين : في أي شيء كنتم في أمر دينكم ، ومعناه التوبيخ لأنهم لم يكونوا في شيء من الدين لتركهم الهجرة ، ومخالطتهم الكافرين ، وما يقتضيه ذلك من طاعة ورضوخ ومجاملة وترك عمل ، ] قالوا كنا مستضعفين في الأرض [ أي كنا عاجزين عن الهجرة ، ومجبرين على المكث في الأرض التي نحن فيها ، ] قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها [ أي قال الملائكة لهؤلاء موبخين لهم : إنكم كنتم قادرين على الهجرة أي : على الخروج إلى بلد ما لاتمنعون فيها من إظهار دينكم ، فالإنسان لايعدم حيلة إن صمم على شيء . ] فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً [ أي مقرهم فيها وساءت مايصيرون إليه قال النسفي : والآية تدل على أن من لم يتمكن من إقامة دينه في بلد كما يجب ، وعلم أنه يتمكن من إقامته في غيره حقت عليه المهاجرة . وقد ذكر ابن كثير الإجماع على ذلك . أما إذا تمكن من إقامة دينه ، فهل تجب عليه الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ؟ قال الحنفية : يجب ، وقال الشافعية : يندب لـه البقاء ـ إن تمكن من إقامة دينه ـ وقد استثنى غير القادرين ] وكان الله عفواً غفوراً [ أكدت نهاية الآية عفوه ، وأثبتت أن عدم الهجرة ذنب ([4]).
ويجدر بنا في الحركة الإسلامية التمعن في هذه المعاني ، نستقي منها التربية السياسية ، ونحن مهجرون في أصقاع الأرض ، لنعرف لماذا نحن هنا ؟ ولماذا تركنا بلدنا؟ ومتى نعود إليه ؟ وبالطبع سنعود إليه عندما يلغى المرسوم (49) ، وعندما يلغى قانون الطوارئ ، وعندما يسمح لنا بالعودة من بوابة المواطنين السوريين ، أي من غير البوابة الأمنية ، وسنعود إلى بلدنا عندما يغلب على ظننا أننا سنعبد ربنا فيه ، دون أذى واضطهاد ، ومن عبادتنا لربنا أن ندعو أنفسنا وأولادنا وأقاربنا وجيراننا وأصحابنا وزملاءنا ....ندعوهم إلى دين الله ، ونربيهم عليه ، ندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهذه الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؛من أساسيات ديننا ، ومن هذه الدعوة إلى الله تربيـة أنفسنا وأولادنا وغيرهم على الإسلام في المساجد ، والمدارس ، والمكتبات ، والمخيمات ، والمهرجانات ، والمعارض ، والإذاعة ، والرائي ، وغيرها من وسائل الدعوة الحديثة ....وبكلمة موجزة ، عندما تقوم في سوريا حكومة ديموقراطية حقيقية لاتقصي أحداً من أبناء سوريا ، ولذلك نطالب بتغيير النظام الاستبدادي الحالي ، وتبديله بنظام ديموقراطي ...
نسأل الله عزوجل أن يكون ذلك قريباً ....والله على كل شيء قدير ..
المراجع
odabasham.net
التصانيف
أدب مجتمع