كان الشيخ رحمه الله تعالى في الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن المنصرم  وعلى أكثر من اثني عشر عاماً يجلس في جامع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مدينة الشارقة الإماريّة بعد صلاة مغرب كل ثلاثاء يقرأ علينا في كتاب الفقه الحنفي " الاختيار" بأسلوب المدرس الناجح،  لا يترك شاردة ولا واردة في الكتاب إلا خاض فيها ، وشرح وفصّل ، وقارن بين آراء علماء المذهب في المسائل التي بين يديه ، وكان رحمه الله تعالى موسوعة في الأحكام القضائية – فهو القاضي الأول في محكمة الاستئناف  هناك – وفي الفقه والأدب ... نَعَمْ في الأدب كذلك.. يحفظ مئات القصائد للشعراء من كل العصور الأدبية ، ويستشهد بها في كل حديث ، ويطارحنا الأبيات في كل مناسبة .
أهديته ديواني الأول " نبضات قلب " فتلألأت عيناه ببريق الشكر ، وسألني عن أول قصيدة في الديوان ألفتها ، فقرأها على الحاضرين ، ثم قلب صفحات الديوان ، فقرأ القصيدة الغزليّة اليتيمة فيه، وبدأ يعلق عليها بفهم وذوق وأدب ، وكأنه يريد أن يعرّف الإخوة الحاضرين بمن أهداه ديوانه . كانت لفتة طيبة علمتني أدب قبول الهدية .
وكان رحمه الله تعالى –على أنه تجاوز السبعين من عمره المبارك – قويّ الذاكرة نشيطها ، سريع البديهة موفقاً في طرح الأفكار التي يناقشها . تتابع الجمل والكلمات بسياق سهل ممتنع ، فيحدثك وكأنه يقرأ في كتاب ، ومع ذلك لم يكن كلامه سريعاً بل يعده العادّ إن شاء  ، يتأسىفي هذا  بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
وكان ذكي الفؤاد ينتقل من حديث إلى آخر دون تلعثم ، ويختار منثور الحكم ، دون تكلف ، ويستشهد بالآيات المناسبة ، والحديث الموافق، والأبيات الداعمة .
صوته جهوري يملأ القلوب والمكان على الرغم من حجمه الضئيل ، وجسمه النحيل . وكأن الله تعالى يعلمنا أن المرء يعلو بما يحمل من قلب طاهر طيب ، وقلب ذكي لبيب ، وعمل صالح مقبول .
وكان رحمه الله تعالى  ذا أذن موسيقية يطرب للصوت الجميل ، ويشارك في الأناشيد التي يحفظ الكثير منها ، وقد يصوّب فكرة خاطئة  أو جملة ضعيفة التركيب ، لكنْ بعد انتهاء المنشدين من أدائهم كي لا يخرّب على المستمتعين جوّ الإنشاد ، وجلّ همه أن يكون الإنشاد هادفاً .
بدأ الشيخ العالم محمد توفيق الشماع يتغيب عن درسه المعتاد حين اشتدّت عليه وطأة المرض الخبيث " السرطان " وضعف جسمه ووهت قوته ، فعولج في مستشفيات دولة الإمارات ،و زار الولايات المتحدة للاستشفاء ، ثم جاء قدر الله تعالى فـ" كل نفس ذائقة الموت " الموت الذي قهر الله به عباده . ودفن في مقبرة الشارقة تحت الشجرة التي جلس تحتها مرة في وداع أحد الأحبة ، وكان الجو حاراً ، فشعر بالبرودة في ظلها ، فقال ليتني أدفن هنا . فكان له ما أراد .
كثيراً ما كنا نزوره فنغرف من بحر علمه ولآلئ حِكَمِه ، ثم يبدأ النشيد مع بعض أنجاله ، ثم يقول : جاء دورك يا أبا حسان ، أسمعنا للنقشبندي على نغم " الرست "  قصيدته
أدم الصلاة على الحبيب فصلاته نور وطيب
أنفاس جنات مفاتح رحمة ،،،، نغـَم حبيب
كنا في بيته في الشارقة قبيل وفاته بسنة رحمه الله ، فقلت فيه هذه الأبيات :
الـعلم  يرسل في القلوب ضياءً
يـحـيـي العقول فتنتشي ريّانة
*              *             *
والـعلم ميزان الرجال فمن يَحُزْ
فـلـه الصدارةُ والمحاسن ثرّةً
*             *            *
وأجـلُّـهـم مَن حاز علماً نافعاً
فـأفـاد إخـوانـاً له وهداهُمُ
*             *            *
وأبـو الـموفّق شيخُنا أعظِمْ به
فـلـه عـلى مرّ الزمان تحيّة
*             *            *
فاكتب له الفردوس واجعل جمعَنا
ثـم الـصلاة على النبي وآله
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
فـتـمور  في ساح الحياة عطاء
وتـزيـد  مـن أنـدائـه لألاءً
*             *            * 
عـلـمـاً  فذاك مفضّل تفضيلاً
واللهُ أعـلـى قـدْرَه تـنـزيلاً
*             *            * 
فـقـهـاً  وتفسيراً وقولاً جامعاً
لـلـخير  يُزجي والشمائل دافعاً
*             *            * 
نـبـراسَـعـلم شعّ في أفكارنا
ومـحـبـة تُـبدي مدى إكبارنا
*             *            * 
فـي ذا الـلـقاء مكرّماً مرحوماً
مـادام  نـجمٌ في السما مرسوماً
  العلماء ورثة الأنبياء .. هكذا كان شيخنا أبو الموفق رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وحشرنا وإياه في زمرة عباده الصالحين .

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع   الآداب