عشر جُمل أو عشرون على أكثر تقدير يتداولها بالتعاقب مئة رجل وبضع نساء منذ ربع قرن ، ولم يحدث من قبل ان انتهت حركة تحرر أو حتى حركة اصلاح الى هذا المعجم الاشبه بعلبة كبريت ، لكنها مبللة بالماء وأحيانا بالدم.

ان ثقافة التغيير ليست رُزمة من شعارات مستعملة ترفع موسميا ، أو استبدال شهاب الدين بتوأمه الا اذا كانت ثقافة سياحية يطلى فيها الواقع بكل استنقاعه وما يغمره من صدأ بطبقة هشة من معدن لامع.

والنخب التي تنطعت للتغيير وباسمه كرست مكاسبها ، عادت بهذا العالم الى ما قبل قرن على الاقل.

رغم ان القرن التاسع عشر الذي يسميه المؤرخون قرن الايديولوجيات والذي كانت حروب القرن العشرين مجاله الحيوي في التطبيق لم يعرف مثل هذا التضليل الذي يثبت على مدار الساعة في القرن الحادي والعشرين ، وفيه كان الاستعمار استعمارا والتحرير تحريرا والعبودية عبودية ، لكن هذا القرن الجديد الذي دشنه دعاة الفوضى الخلاقة بشعارات مضادة لاهدافهم لم تعد فيه اية حدود بين النقائض ، وصار كل شيء مباحا ومتاحا لمن يملك القوة ، اذ لا حاجة به الى التبرير ما دامت هناك جوقة من الببغاوات تردد الصدى مقابل وجبات من العلف،.

ولا ندري كيف يمكن لحركة تغيير واعدة بتحرير الانسان والارض واعادة التاريخ الى رشده اذا كانت في صميم نسيجها تقليدية ، ولا شأن لها بأية تفاصيل تخص العلاقات الانسانية أو انماط الانتاج وما يترتب عليها من تراتب اجتماعي وافرازات سياسية.

واذا كان المقصود بهذا النمط من التغيير هو استبدال المالك أو تحقيق ما سال عليه اللعاب في الطفولة ، فان للحكاية تحليلا آخر ، قد لا تكون السياسة مجاله لأنه سايكولوجي بامتياز.

ان ملايين البشر لم يموتوا قبل الأوان أو يعذبوا ويشردوا لكي يتغير لون السوط أو اسم الجلاد ، أو لكي يتحول المناضل الحالم بالثروة والجاه واختراع العائلة بما يناسب ما وصل اليه الى اقطاعي جديد يناسب شروط ما بعد الحداثة وما بعد الكرامة والانسان،.

قبل ثلاثين عاما او اكثر قليلا كان هؤلاء يتسترون على سرقاتهم وعلى المكاسب التي كان ثمنها شهادات الزور والتخلي عن الاخ والتسامح الحاتمي مع قاتله ، لكن الحياء لم يعد في هذه الآونة موجودا ، ومن عرف الانسان بأنه حيوان خجول وليس ضاحكا أو مفكرا فعليه الآن ان يعيد النظر بهذا التعريف.

ولكي لا تبدو هذه العبارات اقرب الى الالغاز وتغرق في المجاز اللغوي سأقول بلا مواربة ، ان من ركبوا على اكتافنا وهم يهتفون للحرية والتغيير والفقراء ، خدعونا وضحكوا على ذقوننا وحققوا ما كان يسيل لعابهم عليه ، ويا ليتهم أخبرونا بذلك قبل ان نخسر كل ما خسرنا من الدم والكرامة الوطنية والمصداقية السياسية ، لأننا كنا سنتبرع لهم بما يحقق احلامهم الكلبية ويبقى لدينا ما نذود عنه ونصونه،.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور