تقترن نذر التقسيم والتجزئة للعالم العربي ببشائر لاسرائيل ، وما قيل عن التطبيع والتمثيل الدبلوماسي بين جنوب السودان واسرائيل في حال انتصار الانفصال على الوحدة ليس طارئا ، أو جملة معترضة في هذا الكتاب الأسود ، فما تراهن عليه الصهيونية منذ بواكيرها هو تجزئة العالم العربي بل تَذَرّره بحيث يصبح ألف عاصمة وعاصمة كي تظفر باعتراف هنا أو سفير هناك فهي أول مستفيد من مصائب العرب وغالبا ما حولت هذه المصائب الى فوائد ، لهذا سعت بكل الاساليب الى نقل عدوى التجزئة الى كل التضاريس العربية لأنها كما تتصور قادرة على التفاهم أو حتى الاشتباك مع كل طرف على حدة..
وما تخشاه اسرائيل هو القبضة العربية ، لكن حين تصبح هذه القبضة أصابع رخوة ومتباعدة تسهل السيطرة عليها بل الاملاء عليها كي تكتب أو تشهد تبعا لما تراه مصالحها ، وحكاية التزامن الدراماتيكي بين النذر والبشائر تكورت مرارا ما دام كل مأتم عربي هو عرس اسرائيلي ، ولا أظن ان العرب الآن وبعد كل ما تجرعوا من مرارات الخيبة والانفصال والاستفراد بهم فرادى بحاجة الى وسائل ايضاح كي يدركوا بأن السيناريوهات المخبأة في الادراج هي الاسوأ ، وان ما قيل عن شبه الليلة بالبارحة ليس دقيقا لأن الغد سيكون أشد تنكيلا من الليلة والبارحة معا،
واسرائيل التي سال لعابها مبكرا على افريقيا تحلم بالمزيد من مشاهد الانفصال أو ما يسمى حسب الأدبيات السايكس - بيكوية الجديدة الاستفتاء على الوحدة. ففي شعاب هذه القارة لاسرائيل تطلعات قليلها معلن وكثيرها مؤجل ويجري التكتم عليه ، فهي لا تسعى فقط بحثا عن مجالات حيوية للاقتصاد ، بل عن مجالات أشد حيوية للسياسة والثقافة ، وما يتبع ذلك من فلسفة غسل الذاكرات والأدمغة ، لأنها متضررة من بقاء العربي على قيد ذاكرته ، وتريد عربا مقطوعي الجذور ومنبتين بحيث لا وحدة أبقوا ولا حرية قطعوا،
وثمة قرائن عديدة تبنىء المراقب بأن العرب الآن مستغرقون في غيبوبة سياسية من درجة لا يرجى الشفاء منها ، فهم لا يرون أبعد من أنوفهم ويتوهمون بأن القضايا المحلية هي صاحبة الأولوية في كل المجالات ، وهم بذلك لا يتجاهلون ما يسمى جناح الفراشة في هذا العالم الذي ضاق حتى أصبح بمساحة غرفة ، بل يعصبون أعينهم عن مشاهد لا سبيل لتجاهلها ، لأن لها رائحة تنذر بكارثة..
ما نخشاه الآن ليس ما يجري ميدانيا في السودان أو اليمن أو لبنان والعراق ، بل تحول ما يجري الى تاريخ جديد وثقافة ذات أطروحات مضادة لكل ما عشناه قرونا وما تربى عليه وجداننا القومي ، فما يحدث الان بعسر او على استحياء سوف يحدث غدا أو بعد غد في حفلات تدق فيها الطبول ويرقص الموتى في جنائزهم.
اسرائيل تؤهل المزيد من السفراء لما سوف ينجم عن استفتاءات التقسيم في الخريطة العربية التي تغير مقياس رسمها مثلما تغيرت ألوان تضاريسها في الأطلس ، فهي كلها الآن رمادية وأنهارها مهددة بطقع رؤوسها عند المنابع وبحرمانها من أي مصب،،
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور