لم يعد القارئ العربي سمكة سهلة الاصطياد خصوصا في الماء العكر او الحبر المغشوش فهو الان يسخر ممن يتصورون بأن المرتفعات الوهمية التي يعيشون عليها بخيالهم بانهم معصومون وقد يكون عارفا اكثر من مدعي المعرفة في شجن ما من شجون هذا العالم ، فهو عصي على الخداع ، وله ذاكرة يقظة ملقحة ضد الزهايمر الاعلامي بحيث يضبطنا متلبسين باخطاء او تناقضات ، ذلك لان اصابعه في الجمر ولا يتدفأ عليه عن بعد ، كما ان تكرار الخديعة حصنه ضد الطعم الذي غالبا ما يكون مقدودا من لحمه،
وحين كتبت الروائية فرجينيا وولف كتابها الشهير بعنوان القارئ العادي اعادت لهذا المرسل اليه الاعتبار ، وكلمة العادي التي تبدو وصفا يطلقه البعض على سبيل الاستخفاف بالاخرين يعني شيئا اخر مغايرا تماما لهذا المعنى المبتذل والسطحي ، فالعادي هو السوي وغير المتطرف سلبا او ايجابا في اي نمط تكفير او سلوك ، وما ينشر احيانا في بريد القراء في الصحف العربية يفرض على الكتاب ان يتوقفوا قليلا لمراجعة ما صدقوه وتصوروا انه من البديهيات وهو كونهم الاعلم والادرى بشعاب هذا الواقع ، فالقارئ البريء ليس مرتهنا لطرف او جهة ، ويرى الاشياء كما هي بدون اسقاطات سياسية ، ولا يضطر الى ان يلوي اعناق الوقائع كي تلبي احلامه وما يتمناه.
وما كان يقال عن صعوبة هذه العبارة او تلك المقولة على القارئ هو مجرد ذريعة ابتكرها اناس يطيشوه على شبر ماء او دم ، فالقارئ الان طرف وشريك واحيانا يصبح الملهم الذي يشحن الكاتب بطاقة اضافية. ويبدو ان خرافة شباك التذاكر في السينما والمسرح والقارئ الباحث عن التسلية قد انتهت صلاحيتها ، فثمة من القراء العرب ناشطون في عدة مجالات. وليسوا متفرجين على هذا الحراك الحيوي ، وقد استوقفني ما قاله قبل ايام كاتب عربي طاعن في المهنة والمعرفة وهو انه مضطر لمضاعفة ساعات القراءة والاطلاع بكل الوسائل كي لا يسخر قراؤه منه ويتحول الى ورق ناشف في مهب النسيان السريع ، وهناك حكاية ذات مغزى بعيد تروى عن كاتب كان يجلس في مكتبة يرتادها عدد كبير من الشبان وحين سمع اسمه تلفت فوجد شابا يقول لاخر بان هذا الكاتب مات منذ عدة اعوام ، وكان الشاب يعني ما يقول ولا يتحدث بشكل مجازي ، مما دعا هذا الكاتب الى الانتحار بعد يومين ، لكن الرغبة المزمنة في اخفاء الحقائق دفعت من تحدثوا عن الانتحار واسبابه الى استبعاد السبب الحقيقي ، لانه من وجهة نظرهم لا يبدو مقنعا،
ما يصلنا من قرائنا عبر مختلف الوسائل يهزنا من الاعماق ، ويدفعنا الى مراجعة انفسنا كي نتأكد من ان المرسل اليه ليس سمكة بانتظار اول شبكة تلقى عليه.
القارئ الان مصدر معرفة بامتياز وينوب عنا في نقد ذاتي نتهرب منه،،
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور