آخر ما تم ابتكاره من مصطلحات في قاموس الفقر والمرض ومجمل محاصيل التخلف في عالمنا العربي هو ما سمته ناشطة اجتماعية آباء الشوارع ، اضافة الى ما نعرفه عن أبناء الشوارع لمن يتعرضون يوميا للسحق تحت عجلات السيارات وعند اشارات المرور،

واذا كنا نعرف جيدا هؤلاء الابناء لأننا نصادفهم كل يوم على الارصفة فمن هم الآباء؟

تبعا لما قالته تلك الناشطة والباحثة في شجون الشقاء العربي فانهم كبار السن المصابون بالزهايمر وسائر الأمراض سواء ما تعلق منها بالشيخوخة أو الانيميات على اختلاف أنواعها ودرجاتها،

آباء الشوارع منهم من يتعثر في الطريق ويكبو وهو لا يدري الى أين يتجه ، فقدماه تقودانه بشكل عشوائي ، ولا يجد هؤلاء الآباء من يهتم بهم كأن يؤويهم في دور العجزة ، وقد لا يكون هؤلاء قد تحولوا الى ظاهرة بعد في العواصم العربية الصغرى أو الأقل فقرا من سواها ، لكنهم في كبريات المدن العربية تحولوا الى ندوب وتقرحات في وجه تلك المدن ، بعضهم يتسول ولا يدري أين يذهب عندما يعود الناس الى بيوتهم ، وبعضهم ينام على الرصيف ، أما المشهد التراجيدي الذي يدفع المرء الى الضحك المر من فرط البكاء فهو ما شاهدته ذات يوم على رصيف في دكا البنغالية ولم يخطر ببالي أنه سوف يتكرر في عالمنا العربي..

عجوز تزحف على الرصيف ، وتضع الشبشب ذا الأصبع في يديها وليس في قدميها كي تستطيع مواصلة الزحف ، ولا أحد يتوقف ليسأل أو يستهجن المشهد فيتذكر أمه التي هي بعمر هذه العجوز،

فكما للشوارع أبناء وآباء لها أمهات وجدات وحفيدات أيضا ، فثمة بنات لم يتجاوزن السابعة أو الثامنة يتسولن ولا أحد يسأل عما سيؤول اليه الحال بعد بضع سنوات ، عندما تصبح تلك الصغيرات من عالم النساء؟

ان ما ينفق في هذا الجحيم العربي على الثرثرة بالموبايل اضافة الى ما ينفق على مساحيق التجميل ناهيك عن الأسلحة المحظور استخدامها يكفي لأن تغتسل أرصفة العالم العربي كله من هؤلاء.. لكن من استطاعوا تحويل النعمة في كل مجال الى نقمة والفائض الى نقصان والعافية الى أنيميا لديهم القدرة على تحويل الأوطان الى منافي ، فلا الطفولة محصنة من الانتهاك ، ولا الشيخوخة محمية من الاهانة ولا شيء في هذه المساحة الصفراء من العالم ينعم بحقه بأن يعيش حياة كريمة.

ان ما يكتبه الباحثون في علمي النفس والاجتماع وما ينشر موسميا من تقارير الأنيميا لا التنمية في العالم العربي يغطيه الغبار على الرفوف ، وأحيانا يتسلل الغبار الى ذاكرة من يقرأون فيغطيها أيضا،

وأعجب كيف تنفق الدول أموالا هائلة لتحسين صورتها عبر الاعلانات الاعلامية ثم تنسى أن كاميرات العالم تترصد ما فيها من أهوال وكوارث..

الأبراج تعلو والانسان يتقزم ، والحديد والاسمنت قضما غابات كانت ذات يوم رئات لهذه المدن الصفراء ، ان ما يخيفنا حتى الهلع ليس هذه المشاهد ، بل مرور الناس بها وبعضهم من المثقفين وكأنها مشاهد عادية ومألوفة ولا تستحق حتى التوقف عندها،،


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور