ليست بيضاء بما يعنيه البياض من البراءة والبكارة والطهرانية وليست ايضا سوداء ، لان من تضمهم ليسوا مطاردين او من المغضوب عليهم بشكل محسوم ، انها قائمة صفراء تنسجم مع ما يسمى الصحافة الصفراء ، حيث كل شيء يشبه الهشيم ، لكنه لا يقبل الاشتعال مثله ، وعندما يفكر القارئ او المشاهد العربي بتلك الفئة المتخصصة في الدفاع عن الاخطاء لا يجد امامه سبيلا للتصنيف غير ألوان القوائم.
بدءا من حرب عام 1948 حتى التهديد الاخير قبل ايام بتكرار العدوان على غزة ، كان خطاب الزمرة واحدا ومتجانسا ، فلو قيل لهم ان الشمس اشرقت هذا اليوم من لندن او نيويورك لهزوا رؤوسهم موافقين ، لان كلمة نعم في لغتنا العربية اسلم كثيرا من حرف لا ، فالاولى تنتهي بصمت مطبق والثانية اذا ما امتدت قد تشقق زوايا الفم ويتفصد الدم من شرايين العنق،
وان كان هناك من عثروا على الحل الوسيط الذي يسمى في ادبيات النفاق السياسي وامساك العصا من الوسط "لعم" فإن مثل هذه الحيلة لا تعيش طويلا ، لان من يدفعون من اجل سماع نعم يريدونها كلها ومن ينتظرون لا اذا كانت مدفوعة الثمن ايضا لا يقبلون بها مغطاة باية مساحيق بلاغية.
تضم القائمة الصفراء ساسة وجنرالات وصحفيين ومعلقين وارباب مال على امتداد الستين سنة التي كانت اطول من ستة قرون في كثافة الاحداث والتأثير الذي فاض عن الحاضر ليشمل المستقبل.
وقدمت حروب الخليج الثلاث عينات نموذجية من القائمة الصفراء فمن كان ينتظر شيئا من الغنائم حتى لو كان قشرة موز نفخ في النار كما تفعل الحرباء.. وهي اذ تعبر عن نواياها تعرف بان فحيحها لن يزيد اللهب ، والقائمة الصفراء لا تعيش الا في ظروف خاصة جدا تماما كبعض الكائنات التي تتناسل في العطن والمناخات الفاسدة ، بحيث اذا تعرضت لاشعة الشمس والهواء النقي تموت.
لهذا لا بد من حروب عربية - عربية ، وانشقاقات واستفتاءات على الانفصال داخل البلد الواحد ولا بد من صراع مراكز القوى على حساب البلاد والعباد كي تستطيع تلك القائمة ان تحافظ على لونها الاصفر،
ان فتح وحماس ليستا اخر الامثلة التي كشفت عن احابيل تلك القائمة ، فالحبل على ما يبدو على الجرار ولكل بلد عربي فتحه وحماسه بانتظار الاشتباك على السطح والتصوير المتلفز بعد ان دام هذا الاشتباك زمنا طويلا في باطن الارض وبتوجيه من باطن النوايا،
ولو اقتصر الامر على ثنائيات فقط من طراز حرب داحس والغبراء لكان المشهد اقل كارثية ، لكن ما يحدث الان هو اشتباكات طائفية ومذهبية ثلاثية ورباعية وسداسية والوطن الذي ينشطر الى بلدين الان مرشح بالديناميات ذاتها للانشطار الى اربعة.
واذا كان الذباب والبعوض وما يماثلهما من عالم الحشرات لا يطيق النظافة ويكره اللون الابيض ، فان هناك كائنات من سلالات اخرى تفعل الشيء ذاته ، ولا يمكن لنا ان ننتظر من ضبع يعيش على ما تبقى من الجيف ان يتمنى للغابة وضعا اخر ، واخلاقا اخرى لانه عندئذ سيموت جوعا ، وقد يأكل نفسه،
والقائمة الصفراء التي تضم من حرضوا عربا على عرب ومسلمين على مسلمين وحولوا السياسة الى نميمة والنميمة الى ثقافة ليست بحاجة الى ويكيليكس للكشف عنها ، فهي معروفة لدى معظم القراء والمشاهدين العرب من محيطهم الى خليجهم ، كل ما في الامر ان هذه القائمة بانتظار مناسبة لتحويل الفحيح الى خوار ثيران ، فمن كانوا يسبحون سرا بحمد الاستعمار ويعددون فضائله ، وجدوا فرصتهم الماسية وليس الذهبية فقط في هذا الخريف القومي.. ناسين ان التاريخ لا يعبأ باحلام يقظتهم..،،
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور