البتراء.. حيث يشتاق المكان لأهله، وتدرك المهرة خيالها..
البتراء.. حيث يبوح المكان بالشوق، وتعج الروح بفياض شوقها..
البتراء.. إحساس يداهمك، سحر موسيقى، ودهشة لون، وعذب مشرب.
هناك منذ الولوج الأول إليها، تبادئك شرايين الحياة، عيون موسى، تلقاك خافرة، خجلى في خدرها، تحتمي بتلك السفوح الشامخة حولها، تتباهى بالمكان حيث تولد، وتتدفق شريان حياة، ودقات قلب، تدغدغ صخرا ورديا، تأتي من هناك عروسا تزف إلى عريسها، في حضرة ذاك المهيب، حيث تذوب حكايا روما، وتتفجر آهاتها على صخر مملكته، ذاك الحضور المهيب.. للحارث ولمالك وعبادة ورب إيل.
البتراء.. وهج الشمس، شقيقة المجد، موسيقى الشعر، ململمة الكبرياء، أم شقيلة، نكتبها أختا للزمان... للمكان ... للروح.
البتراء.. طيب الأثر، إيقاع القلب، عناد التاريخ، هوى القول والفعل، لهفة البكر، البتول، دهشة "الأم العذراء" ..
البتراء.. اكتمال البدر، ديمومة الحياة، سيف الصحراء، حارسة الحواضر، شموخٍ قدسية الذرى، الحبل السري للمشرقين.
البتراء.. تشابك العلائق، انسجام العلاقة بين الإنسان والمكان، والإنسان والإنسان.
البتراء.. جوهر المسألة التي تسردها لنا الحجارة والنقوش، قصة الأرض التي تماهت دماً في شرايين فارسها العربي، كانت شغله الشاغل، معشوقته التي طرزها قلائد شعر له، وقدّمها أنثاه الجميلة، فصارت ندىً لأرض الحماد والحّرات وجبال الشراه وضانا، ونبراساً لدروب الحرير والبخور، ووادي السرحان، ودرب الملوك.
البتراء.. العصية الجسورة، بخيلها وفوارسها، والسهم الذي شقّ عباب الغيم، فلحظة لامست جفنيه ريح الصّبا، صارت حجارتها، ونقوشها مستودع سرّها، وسيرتها، وضمير أمتها العصي.
أيتها البتراء.. يا رمح الردى، وظلمة الليل... أيتها العصية.. يا حتف المرجفين، وسوط المجفلين، واللهب يلفح وجه اثنايوس، وديميتريوس، وإليوس جالوس.
أيتها البتراء.. يا قدرنا العروبي، وامتشاق السيف، وتأصيل الهوية، واتساع المدى... يا بوابة الشمس على الخافقين، وقاهرة الحمشومنيين والمكابيين... وكل الغرباء!
هي البتراء.. حارسة الحواضر، وسيف الصحراء، صهيل الخيل، واكتمال النشوة، مبتدأ الفعل، ومستقر الذاكرة.
هي البتراء.. رحم الأرض الحبلى بأول الحرف، أم العربية، سفر الاستحالة، تشابك الحروف، وعناقها، حبل العربية السُرِي، شهقة الحرف الأولى في نقوش رم.
هي البتراء، والرقيم ، والشق الصخري، وزركشة ألوان الطيف، وأزاميل السواعد القوية، ولسان العربية الأولى، حاضنة الخطوط، عبقرية الانحياز للتأريخ، توليفة الخطوط السامية، هي البتراء، مكتملة الدهاء والبهاء.
هي البتراء.. عاصمة القوافل، قِبلتها ومستقرها، شقيقة الإيلاف، دليل من تاهوا ... عاشقة البخور والعطور والحرير، مملكة الزمان، تقاطع القبائل والتقاؤها، سراج ثمود ولحيان، حداء الإبل في جذام.
هي البتراء.. مدينة الحوارث، مدينة الشيوخ، والملوك، سادة الأمن، المحبين لشعبهم.
هي البتراء.. مدينة الموالك، سليلة النسب، يطلب يد حسناواتها، ملوك آدوم، نساؤها أمهات أبناء الملوك ... فها هي قافلة انتباتر الآدومي تجيء محملة بما يليق بالحسناء النبطية "كفرة"، لتصبح أماً لأربعة من أولاده.
هي البتراء.. معشوقة سلي العربي، صالح الذي انحاز لأمته، فتاهت قوافل الغزاة، سلي ابن الحرائر النبطيات، الذي أقسم أن يبقى الحرف اليمني عربيا، وأن يبقى سد مأرب عنوان الجنان، وتبقى سبأ ... ومعين ... وقتبان، وتبقى الدروب تعج بالقوافل، المحملة بالحرير والتوابل والبخور، مدموغة بحروف مسندية من معابد صرواح وقرناو وشبوة.
هي البتراء.. أم الأنباط، سادة الشواطئ والموانئ والبحار ،في الحوراء على شواطئ الأحمر، وملتقى المتلهفين على شواطئ غزة، تطل على ما وراء البحر.
الأنباط ... أرباب السفن التي ارتحلت باللسان العربي، والحرف النبطي إلى جزر البحر المتوسط وإيطاليا ... حملة بواكير التهجئة إلى مالطا بلسانها العربي.
هي البتراء يقيناً.. عروس عجائب الدنيا، وتاجها ... وعنوان الإرث الإنساني الشفاف ... فلسانها عربي، وحرفها آرامي، وعمارتها توليفة ساحر ... فنان .. جاءوا من أثينا وروما وبابل وسقارة ... ومن كل الحواضر... كلهم جاءوا إلى عروس الدنيا... يحملون لها زينتها... فتبتسم لهم البتراء، وتحتضنهم، وتجلسهم حيناً... أو تطفق بهم عائدين على عجل... وتبوح لهم باسم فارسها، وحارسها ... الحارث ... الأردني ... العربي ... محب شعبه ... صاحب الأفق الكوني ...الأرحب.
المراجع
elarabielyoum.com
التصانيف
أدب مجتمع