حدثنا الشيخ أبو زيد، وكان قد نيف على السبعين، ولم يبق له من دنياه سوى راتبه التقاعدي، وأركيلته "الشيشة" ورفٍّ من الكتب، اصفرت أوراقها لبُعد العهد بها، وبضعة عشر تلميذاً يجدون سلوتهم في الاستماع إليه، فقال:
- طُلبت ذات يوم إلى أحد المراكز الأمنية للتحقيق، ولما كان الداخل مفقوداً، والخارج مولوداً، تركت وصيتي، ومفتاح المنزل عند أحد أقاربي من الدرجة الثالثة، وحين تأخرت عودتي خشي أن يُفتش المنزل، فأخذ الكتب، وأودعها في مخزن حانوته، ثم خشي على نفسه فأخذ يتلف منها ما يحسب أنه يشكل خطراً، ويكلف سؤالاً وجواباً؟ وكان أول ما أتلف كتاب "الممتع في التصريف لابن عصفور الأندلسي" وحجته في ذلك أن واحداً من آل عصفور كان قد طُلب، فهرب من البلد، فخشي أن يظنوا أن هناك ما يربطني به!! فحمدت له ذلك وقلت في نفسي: مجتهد لا أجر له!
ثم سمع بعد مدة أن واحداً ممن نعرف يسكن في حي الأنصاري – بحلب طبعاً - قد طُلب أيضاً، فعاد إلى الكتب الأسيرة لديه، وأخرج منها كتب ابن هشام الأنصاري، وأتلفها، شفقة عليّ من أن يظن ظانْ أن علاقة ما كانت بيني وبين الأنصاري! فشكرت له ما صنع، وقلت في نفسي:
جاهل اجتهد فهو مخطئ في كل الأحوال..
ثم سمع بعد مدة أن هناك من يراقب المنزل، وقرأ في إحدى الصحف في الفترة نفسها، وهو يطالع أخبار الفواكه والخضراوات، أن المعركة أعلنت ضد الأصولية، فعاد إلى الكتب وأتلف كل كتاب وجد عليه كلمة أصول، وقد نالت منه كتب أصول الفقه ما نالت، وعلى رأسها المستصفى في علم الأصول للإمام الغزالي، فشكرته على ذلك؟! وقلت في نفسي:
لا بارك الله بالجهل إذا اجتمع مع الخوف.
قال الشيخ أبو زيد:
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد دوهم المنزل، ولم يجدوا سوى قصاصات كنت أكتب عليها بعض مسائل التمرين في البناء الصرفي، من مثل: بناء "خزق" على وزن تفوعل، ووزن فاعول، وبناء "طبع" على وزن تفعيل، وتفعل، وفعل.. فأصر المحقق على استمرار الحجز بتهمة التحضير لمنشورات ذات الغاز؟ ولم أخرج إلا بكفالة أحد النابهين بألا أعود إلى مثلها في المستقبل، وخفف عني أنها لم توزع بعد؟!!
المراجع
odabasham.net
التصانيف
أدب مجتمع