يمكن أن نضع إضراب أطباء الصحة، الذي يستمر منذ ثلاثة أسابيع، ضمن "الاحتجاجات المطلبية" في الصورة المصغّرة. لكنه في الصورة الوطنية العامة فإنّه يعكس تداعيات السياسات الاقتصادية القائمة، التي ضربت القطاع العام وقدرته على تقديم الخدمات المطلوبة والمتوقعة منه.
وفقاً لبيان مهم من الحملة الوطنية للدفاع عن الخبز والديمقراطية، فإنّ نسبة المستفيدين من القطاع الصحي الحكومي تصل إلى 65 % (سواء من المشمولين بالتأمين المدني: 31 %، أو الذين لا يتمتعون بأي نوع من التأمين: 34 %)، وهي نسبة – بلا شك- كبيرة، وتحمّل هذا القطاع، والأطباء العاملين فيه أعباءً كبيرة، ومرهقة، تستدعي إعادة النظر، جذرياً، بواقع هذا القطاع.
دعونا من الكلام النظري، على أرض الواقع من يراجع المستشفيات الحكومية يتشكل لديه، سريعاً، انطباعٌ مباشر بأنّ أطباء الصحة يقومون بدورهم الإنساني والحيوي في شروط "غير إنسانية"، وتحت ضغط شديد من العمل والجهد، ونقص الكوادر البشرية، وفي الوقت نفسه مع دخل شهري محدود، قياساً بالكلفة الهائلة التي أنفقوها في دراسة الطب والتخصصات الفرعية فيه، وقياساً – كذلك- بزملائهم أطباء القطاع الخاص.
هذه الشروط غير الإنسانية من تدهور البنية التحتية وبيئة العمل غير الصحية وضعف الإمكانيات تؤثر جميعها على علاقة الأطباء بالمراجعين، وتؤدي إلى تعرّض هؤلاء الأطباء إلى اعتداءات واحتكاكات مع المواطنين، وهي ظاهرة باتت مقلقة خلال السنوات الأخيرة، وتناقض جوهر رسالة الطب والعلاقة المفترضة بين هذه المهنة والمجتمع!
وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال طاهر العدوان، يحمّل – ضمنياً- أطباء الصحة المسؤولية عن الإضراب، ويرى أنّهم لا يمنحون الحكومة الفرصة المطلوبة لتحقيق مطالبهم، التي تحتاج إلى دراسة متأنية، ويؤكّد أنّ الحكومة تراجع حالياً الأرقام الأخيرة لإعادة هيكلة رواتب القطاع العام عموماً، وهي خطوة مهمة وحيوية للجميع.
المفاجأة التي لم أكن أعرفها، وأتمنى أن تكون غير صحيحة، هي أنّ الدراسة التي يتحدث عنها العدوان، وفقاً لنقيب الأطباء أحمد العرموطي، منشورة على الموقع الالكتروني لديوان الخدمة المدنية، ومتوسط نسبة الزيادة للأطباء البشريين، هو فقط 3.3 % على الراتب الإجمالي! وهي زيادة مخجلة ولا تعكس إعادة هيكلة حقيقية، ولا تمثّل مؤشراً على إدراك رسمي بأهمية تدارك الانهيار في هذا القطاع الحيوي في المجتمع.
في ضوء ذلك كله، ألا يحق لنا سؤال رئيس الوزراء أين هو اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يتحدث عنه، إلاّ إذا كان كلاماً على الورق فقط، طالما أنّ السياسات الاقتصادية مثلما هي، وطالما أنّ القطاعات الحيوية للطبقتين الكادحة والوسطى لا تحظى إلاّ بنسبة متواضعة من الموازنة العامة، بينما "أرقام الظل" تصل بلايين الدنانير، وأموال كثيرة تنفق بعوائد لا توازي 1 % من أهمية هذه القطاعات!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد