تجتمع لجنة الحوار الوطني اليوم الاثنين للبت في صيغة النظام الانتخابي المطلوب، لإكمال بنود قانون الانتخاب، الذي تضمّن مبادئ مهمة وتمثّل نقلة نوعية في بناء "ضمانات" تشريعية لعمل مجلس النواب.
خلال الأسابيع الماضية تمّ تقديم جملة كبيرة من الاجتهادات والمسودات المقترحة من أعضاء اللجنة وخارجها، ما خلق حواراً جادّاً جيدّاً، وتوسّعت دائرته، لتشمل شريحة واسعة من السياسيين، وجرى تناول الأبعاد المختلفة للسيناريوهات المتوقعة، وما يترتب عليها من نتائج مختلفة. وقد آن الأوان اليوم للحسم والخروج بالصيغة المعتمدة التوافقية.
المطلوب من النظام الانتخابي أن يخرج بنا من "سطوة الصوت الواحد"، الذي مزّق البلاد والعباد، وعزّز الانتماءات الفرعية وأضعف من "هيبة مجلس النواب"، وقد بقي في أحد السيناريوهات، الذي يقترب من "الرغبة الرسمية"، من خلال الجمع بين نظام العام 89، لكن مع تبني نظام الصوت الواحد والقائمة النسبية على مستوى الوطن.
المخاوف من هذا السيناريو أنه يعيد إنتاج الصيغة نفسها من مجلس النواب مع تحسينات طفيفة ترتبط بالقائمة النسبية. في مقابله يأتي نظام أكثر تطوراً يجمع نظام الـ89، مع تعدد الأصوات، مع القائمة النسبية على مستوى الوطن، التي تكون بحدود 10% فقط، وهو بالتأكيد أفضل من السيناريو الأول، إذ يخرج بنا من عقدة "الصوت الواحد" ومخرجاته غير المرغوبة.
السيناريو الأخير هو القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، وهي ترد الاعتبار لعوامل التجميع والتوحيد وتمنح البعد السياسي نصيباً وافراً إذا تمكّنت الأحزاب والقوى السياسية من التعامل معه بحسابات انتخابية جيّدة، ويعود بنا إلى صيغة شبيهة بنظام العام 89، لكن بصورة أكثر تنظيماً وضبطاً.
الأمل معقود حالياً على الخروج بنظام انتخابي يقترب من طموح الشارع ومن توفير أرضية نيابية لعمل سياسي وحزبي، وهو ما يفترض أن يتم التوافق عليه حالياً بين أعضاء اللجنة.
لا يوجد هنالك أي مبرر حقيقي لعدم الخروج بتوافق من لجنة الحوار وهي التي تضم أطيافا وقوى سياسية وشخصيات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولا أجد مسوغاً لإحالة السيناريوهات إلى الحكومة، وعدم البت في ذلك، لأنّ رسالة تشكيل اللجنة والرسائل الملكية المختلفة تؤكد على الخروج بصيغة مسودتين لقانوني الأحزاب والانتخاب، ولئلا نقع في مطب الأجندة الوطنية التي أحالت خيارين للحكومة، التي وجدت في ذلك فرصة للهروب من الاستحقاق بأسره، عبر تثبيت صيغة الصوت الواحد.
طموحنا، جميعاً، أن نرى قائمة نسبية على مستوى الوطن، وإذا كانت هنالك محددات لذلك حالياً، فإنّ وجود السيناريوهين الثاني والثالث يوفران فرصة مبدئية لتدشين عمل سياسي مختلف، وهو ما يدفع بالأحزاب نفسها إلى تجاوز الآليات التقليدية في العمل، وتعيد هيكلة خطابها ليقترب أكثر من الشارع وهمومه ومطالبه، والخروج من اللغة الأيديولوجية المعلّبة، إلى تقديم ما يمكن بالفعل أن يقنع الشرائح الاجتماعية المستنكفة عن العمل الحزبي والسياسي في الانخراط فيه، والمساهمة في تعزيز وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية.
المطلوب بدلاً من التفكير في "كوتا حزبية" من خلال نسبة محددة في القائمة الوطنية، أن تنطلق الأحزاب لفرض حضورها السياسي والاشتباك مع الناس، وهو شرط رئيس لتجسيد نقطة تحول نوعية في المعادلة السياسية.
حتى لو تمّ إقرار قانون انتخاب ممتاز وتعديلات دستورية مرضية، فإنّ المعركة نحو الديمقراطية والحرية ما تزال في بدايتها، لأنّنا سنكون أمام مربع جديد وهو إطلاق الحياة السياسية من قيود الوصاية الأمنية، في مختلف المجالات، وتلك هي "الضمانة" الحقيقية لتغيير المسار الحالي المترهل!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد