هذه أصلح مفردة في قاموس العدمية الاخلاقية يمكن استخدامها بعيداً عن خدش الذائقة العامة وان كانت هناك مفردات عديدة اخرى أدق منها لتوصيف سلالة من شهود الزور ، الذين يقولون بأن الارض مستديرة صباحا ومستطيلة مساء ومثلثة أو شبه منحرف في آخر الليل،

بالأمس سمعت أحد هؤلاء يعزف بأصابع مسروقة من أحد الشهداء على الشاشة ذاتها التي كان يبشر عبرها بالسلطان العادل ويقارنه بالفاروق عمر وليس بالفاروق الألباني.. مئة وثمانون درجة استدار في أقل من أربع ساعات فقط ، ولحسن الحظ فان الناس لم يفقدوا ذاكرتهم ، ولم يصب مجتمع بأسره بالزهايمر الوبائي لهذا قاطعه أحد المشاهدين هاتفيا مطالباً اياه بأن يخرس ويكف عن الكذب ولا أدري من أين أتى ذلك الاعلامي الضليع في فقه التضليل بالقوة وهو يرد على من قاطعه مزايداً عليه ، وقدم نفسه بأثر رجعي كمقاوم ومعارض يجب أن يعاد اليه الاعتبار الآن..

على شاشة اخرى رأيت مذيعاً يتحدث عن الاستبداد الذي وضع الشباب الثائر له نهاية.. وكدت أصرخ وأنا أراه يتشدق بعبارات مسروقة من ضحاياه ، لأن لي تجربة معه ، وكان قد حاول استضافتي على شاشته السوداء ذات مساء ، لكنه طلب مني أن أقدم استثناء واحداً من الاستبداد ، وذلك فيما يتعلق بما كنت كتبته عن تحول طبائع الاستبداد لعبدالرحمن الكواكبي النهضوي الذي هرب من حلب الى مصر ومات مسموماً فيها الى ما اسميه صنائع الاستبداد.. واعتذر المذيع عن استضافتي في الربع الساعة الأخير لأنني رفضت ما سماه استثناء ورأيت فيه في حال وجوده انه تكريس للقاعدة.. وان كان هذا الاستثناء أساساً عديم الوجود،

كيف يمكن لانسان واحد ان يكون حليف القاتل والضحية بالحماس ذاته؟ وان يكون مع الملاك والشيطان ومع الله وقيصر في الدقيقة ذاتها وعلى الشاشة ذاتها؟

لقد ألحق بنا هؤلاء الحرباوات التي تغير لون جلدها مرات في اليوم الواحد اضراراً لا تقل عن الاضرار التي ألحقها بنا نيرونات وستالينات وبينوشيهات هذا العصر.. لأنهم شهود زور ، يقلبون الحقائق ، ويخلطون نابل القاتل بحابل القتيل ، ويفقدون الناس آخر ما تبقى من الثقة بالكلمة سواء كانت مكتوبة او منطوقة،

ولا أدري لماذا يتغافل من يثرثرون عن الفساد السياسي والاقتصادي عن هذا النمط من فساد الضمير ، الذي تحول الى وباء اعلامي استشرى بحيث أصبح من الصعب حتى التلقيح ضده،

هذه السلالة الجوبلزية كذبت وكذبت حتى صدقت نفسها ، وتريدنا ان نصدقها بعد أن ضبطناها متلبسة بعريها الأخلاقي والسياسي ، فالحرباء لم تستطع اشعال النار في الجسد الذي أحرقت النار حتى نخاعه ، لكنها بفحيحها الأخرق تعبر عن نيتها ، تماماً كما عبر الضفدع عن نواياه وهو ينقل قطرات من الماء الى الجسد المحترق،

متى تنقرض هذه السلالة الديناصورية من حياتنا الثقافية والسياسية؟ لكي يعاد الاعتبار الى الكلمات مثلما يعاد الى الناس ، فأزمة الثقة الكارثية في نتائجها والتي تسبب بها هؤلاء بين القارىء والمقروء والمشاهد والمشهد والسامع والمسموع أصبحت بلا حدود.

ان لدى هذه الحرباوات مهارة خارقة في فك نفسها من ذيول من يرحلون ، لتعيد ربط نفسها بمن يأتون...،،


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور